محمد صالح البدراني يكتب :دون كيشوت وصراع الحضارات

دون كيخوتي للأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس كان يفترض أن طواحين الهواء جيوش مقاتلة، لكن الرجل يقاتل من اجل قضية غير معروفة إلا في توصيف خياله المشوش.
في الغرب اليوم وضعوا تصورين غير موجودين قطعا وراحوا يقاتلون لنصرة هذا على ذاك بمنظومة قيمية مطاطة تسمح لهم أن يقتلون الآخر ويسرقون ثروات البلدان، ولكن غير مسموح لأحد أن يقاوم هذا لأنه يهدد نمط حياتهم… نوع من الثيوقراطية المدافعة كدون كيشوت عن الوهم، مثل هذا “نمط الحياة” الطائفي في فرنسا مثلا، والطائفية أيضا مصطلح يحتاج إلى إعادة تعريف لأنه التصق بالأديان والمذاهب، والحقيقة انه شذوذ فكري يركب العقل لتبرير العداء للآخر إذا اعتبرنا أن التعصب القومي له مصطلحا مازال الأقوى في التعبير وهو العنصرية أو الشوفينية بالمعنى الغربي.
وان كانت فرنسا قد أثارت موضوعا طائفيا عنصريا وفجرت ينبوع الكراهية للآخر وتتهمه بما تنشره هي من الكراهية، فهيَ كانت وما زالت تثير الفتن وتمعن في قتل الناس مباشرة أو بالإنابة، والتقارير تشير إلى نهب مستمر لثروات البلدان باستباحة تبقي الشعوب جائعة وممتقعة في الجوع فان رفضت قمعت وان تمردت أضحت إرهابية مستباحة الدم، لماذا لان نمط الحياة في خطر، أن ذلك النمط الذي لبس لبوس الدين وحينا آخر لبس لباس العلمانية لكن النتيجة واحدة انها ثيوقراطية ورفض للآخر وفرنسا معروفة ومثبتة حتى عند الدول الغربية بأنها عنوان لتطرف السلوك، ومهاجمتها للإسلام ليس إلا استمرار لمنهج حروب سماها العرب حروب الفرنجة لغلبة الفرنسيين على ما سمي بالحروب الصليبية باسم الدين ننهب البلدان كأي ثيوقراطية جاهلة مازالت نماذجها تتكرر في كل مكان.
تعبير ماكرون مثلا أن الإسلام في أزمة، إذا أخذناه مجردا وفي سياق تاريخي أو منطقي، يعبر عن دوافع غريزية غير عقلانية لا تجد أهمية لأي دراسة حقيقية للأسباب وإنما ترتكز على انطباعات وخصوصا وان من يرونه الإسلام اليوم حكام مستسلمين وليس مسلمين، حقيقة الأمر لا يستحقون الاحترام أو جانب من الانشغال والتفكير…. وتداخل هذا مع اختيار النخبة وهو كانطباع في النظام الديمقراطي؛ فان شعوب يحكمها هؤلاء ليست تستحق الاهتمام، وان نهبها هو الواجب لإحقاق العدالة ثمنا للتفوق.
لكن واقع الرئيس الفرنسي الهابطة شعبيته إلى الحضيض وفشل حكومته على اصعد متعددة سياسيا واقتصاديا، ذهب للبحث عن دور خارجي ولكن من لا يملك حلا لنفسه لن يأتي الآخرين حتى لو كانوا إمعات مثل الدول العربية بحل، وعندما أدرك هذا راح يستفيد من تجربة فاشلة في منطقتنا بإثارة الشعبوية ليلعب على عواطف واستثارة الطائفية والكراهية، فلا علاقة للإسلام ولا للمسيحية ولا غيرها، هذا ما يقدمه ماكرون وأمثاله دعاية سيئة لمعنى الحرية في الليبرالية ومعنى فهم الآخر في العلمانية.
بنظرة متفحصة لا تحتاج إلى عمق أو ذكاء، فان دخول الغرب على منطقتنا هو من سبب مشاكله التي هي طبيعية جدا لو درست قليلا؛ ثم السلوكيات تحصل من الأشخاص ليس لانتسابهم لدين، والتدين غريزة والغريزة إن حكمت تدفع لأقصى حالات التطرف عند البوذيين كما المسيحيين كما اليهود والمسلمين ليسوا بدعا وإنما ما نراه من نسب لمزدوجي الهوية أو الجيل الثاني والثالث من المهاجرين إلى الإسلام حتى لو كان مسلما بحكم الولادة إن ارتكب جريمة، بينما ينسب للبلد الذي هو فيه إن حقق إنجازا.
إن الظلم الذي يرتكبه الغرب وتدمير الحواضر بمؤامرات ودسائس كما حصل ويحصل إلى الآن، ونهب الخيرات من مناجم وحقول للنفط ومصادر للثروة والطاقة، ووضع حكام إمعات ظلمة، وتغييب الهوية والإسلام هوية أو وطن وتشويهه الممنهج ليس في صالح الغرب كما يظن بعض أحادي النظرة، بل من صالح العالم أن تقام بلدان رخاء متطورة مدنيا في البلاد الإسلامية، تقيم التعاون الحقيقي مع الغرب حتى في الموارد البشرية وكلفة الصناعات والإنتاج والطاقة من خلال نظام مشاركة صحي بدل هذا العداء والكراهية والنهب.
إن الحلول متاحة، والحقائق كالشمس لا تختفي لرغبة زعانف بلهاء تحاول تغطيتها بغربال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *