قضية “ماري”.. انقلاب السحر على الساحر الرأي العام يتوحد ضد أذرع السلطة الفاسدة ويساند المضطهدين ويؤكد ان احرار التحرير شعلة نور للمستقبل
خاص / عراقيون /
تغييب الأصوات الرافضة للظلم والاضطهاد والمطالبة بالحقوق المشروعة ظاهرة في العراق ليست وليدة اليوم انما نهج انتهجته السلطات الحاكمة منذ 2003، في سياسة ثابتة لمنع كل من يخالفها الرأي والفكر أو يسلط الضوء على الإخفاق في إدارة الدولة بمناحيها كافة.
ثورة تشرين 2019 والتي انطلقت شرارتها في العاصمة بغداد وامتدت الى محافظات الوسط والجنوب شهدت مئات حالات الاختطاف والتغييب لناشطين ومثقفين وقادة الرأي والفكر الحر، الذين كانوا يسعون الى احداث تغيير إيجابي بالعملية السياسية من خلال الطرق والادوات الديمقراطية.
وشهد العراق قبل أيام تظاهرات شعبية واسعة بساحة التحرير في بغداد ومدن أخرى، بالذكرى السنوية الأولى لانتفاضة تشرين، ولكن على الرغم من مرور عام على الاحتجاجات التي تخللتها عمليات قتل لمئات الناشطين، لا يزال الجناة أحرارا، رغم تسنم حكومة جديدة مقاليد السلطة بقيادة، مصطفى الكاظمي، التي وعدت بمحاسبة الجناة.
وهناك أيضا ناشطون مغيبون ومعتقلون، ويتهم المحتجون الفصائل الشيعية الموالية لإيران وقوات مكافحة الشغب بالوقوف وراء قتل واختطاف الناشطين الذين كان أبرز مطالبهم تحقيق العدالة للضحايا وتغيير النخبة الحاكمة التي يتهمونها بالفساد.
ومن المفارقات المحيرة ان بعض الناشطين الذين اختطفوا او اعتقلوا وجرى الافراج عنهم خرجوا عبر وسائل الاعلام وقالوا، انهم” لم يتعرضوا الى التعذيب او الانتهاك او الى ممارسات غير اخلاقية، فيما يؤكد مقربون لهم انهم تعرضوا الى تعذيب ممنهج، وانتزعت بالقوة اعترافات منهم لا صحة لها وباتوا يتعرضون الى التهديد بنشر اعترافاتهم عبر منصات اجتماعية تقودها جيوش الكترونية تابعة لأحزاب السلطة في حال كشفوا عن الظلم الذي وقع عليهم من الأجهزة القمعية.
محاولات تضليل الشارع العراقي وإعطاء صورة سيئة عن ثورة تشرين مستمرة ولن تتوقف فالفاسدين يسعون الى البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة كي يواصلوا سرقة المال العام وتخريب ما تبقى من شخصية الفرد العراقي ومكانته الاجتماعية وقدرته على التغيير والسعي لتحقيق غد أفضل.
(قضية ماري)
الناشطة ماري والشهيرة بعبارة “أبو العدس” يعرفها القاصي والداني بعد ان خرجت بتسجيل فيديوي اثناء سياقة عجلتها الخاصة وهي متوجهة نحو ساحة التحرير وسط بغداد ابان التظاهرات الشعبية وخاطبت فيه رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي بجملة “لك أبو العدس” ثم أكملت حديثها المؤيد للمتظاهرين الاحرار والمندد بمواقف إيران تجاه قضايا العراق الخاصة.
اختطفت ماري فورا من قبل أدوات السلطة المسلحة وغيبت عن الأنظار لفترة طويلة ولكن الرأي العام والمتظاهرين واصلوا المطالبة بالإفراج عنها وإطلاق سراحها، الى ان ظهرت بتسجيل فيديوي وهي تؤكد الافراج عنها وتتحدث عن نفسها وبعض الشخصيات السياسية بـ “السوء”.
(ذكاء الشارع العراقي)
الرأي العام العراقي توحد وكشف ان ما تقوله ماري هو تحت تهديد الضغط الميليشياوي، فكتب الإعلامي عامر إبراهيم قائلا “فيديو(ماري) أعاد بي الذاكرة الى اعترافات نائب الرئيس خاتمي، محمد على ابطحي، الذي كان مشاركة في حملة انتخاب الاصلاحي موسوي لرئاسة الجمهورية، عندما حصل التزوير وفاز نجاد، واندلعت تظاهرات الثورة الخضراء في إيران ٢٠٠٩.
أبطحي فاجأ الجميع باعترافاته: الانتخابات كانت «نظيفة»، موضوع تهمة التزوير كان كذبة اختلقناها من أجل إثارة أعمال الشغب، المظاهرات «كانت عملا خاطئا لزعزعة استقرار البلاد وان التزوير كان كلمة السر لبدء الاضطرابات، بعدها تم سجنه لست سنوات بدلا من حكم الاعدام الذي كان ينتظره.
نفس الاسلوب لنفس المحقق.
اما الناشطة امل الاوسي فقد كتبت بقضية ماري “تسوى رأس كل دعاة الشرف تحت مسمى جنسي..
انت أشرف من كل العمايم ودعاة الالحاد المراوغين.. ابنتي البطلة؛ كنت أشجع منهم جميعا، انتي الشرف وهم الجبناء منزو عي الشرف، انتي رمز للشرف الحقيقي الذي غادره دعاة الدين والقبيلة على حساب الوطن”.
المثقف لؤي عبد المنعم قال “الخزي والعار للجلادين ماري واهل التحرير اطهر من عبيد المال والكراسي وأشرف من الذيول والفاسدين”.
في حين قال الناشط عمر عبد الله ان “المشكلة ليس بالفيديو انما طريقة نشره على عدة صفحات ممولة وجديدة بشكل متزامن وبعدها هجمة صفحات وهمية ونشر كلام متقصد ضد المتظاهرين وقادة المظاهرات وهذا يدل على انها هجمة منظمة ضد حركة الاحتجاجات خصوصا، وبالنهاية التظاهرات الشعبية إرادة وطنية للتغيير”,
تظاهرات تشرين ادت إلى استقالة حكومة رئيس الوزراء الاسبق عادل عبد المهدي نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ليأتي رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي.
يقول الصحفي والكاتب عوني القلمجي إن “الثورة العراقية دشّنت عامها الثاني، وهي تحمل معها عدة حقائق دامغة. منها عجز أجهزة القمع الحكومية، وسلاح المليشيات المسلحة، والحرس الثوري الإيراني عن إنهاء الثورة العراقية، على الرغم من سقوط مئات الشهداء وألوف الجرحى. ومنها أن الثورة، على الرغم من سلميتها، أثبتت قوتها وصمودها وكسبت تأييد شعوب العالم واحترامها الكبير. ومنها أن أهدافها السياسية، وفي مقدمتها استعادة الوطن المنهوب، لم يجر التراجع عنها، أو المساومة عليها، أو القبول بأنصاف الحلول”.
ويمضي القلمجي قائلا: ” أن الثورة لم تكتف بسقوط حكومة عادل عبد المهدي؛ فقد رفضت الكاظمي خليفة له، ولم تُخدع بالتعديلات الجزئية لقانون الانتخابات، ولا بكذبة إجراء انتخابات مبكرة”.
الصحفي ماجد السامرائي يذكر، ان” ثورة تشرين أصبحت المعارضة الشعبية ضد سلطة الأحزاب الفاسدة”.
ويضيف: “رغم عتمة السواد الذي خيّم على العراق منذ عام 2003 وحتى الآن، فإن ثورة شباب أكتوبر شعلة ضوء للمستقبل”.
نتائج احتجاجات تشرين لا تتعلق فقط بالمطالبة بإقالة رؤساء السلطات الثلاث ولا بإزاحة رأس السلطة التنفيذية في البلاد بعد تحميله مسؤولية الفشل الذريع الذي ارتبط بعهده وأدى إلى صعود لافت لقوى ما قبل الدولة الممثلة بالفصائل والميلشيات المنفلتة، إنما بقدرتها على صنع جيل جديد من الشباب الشجاع المؤمن بحقه في الحياة الكريمة وبرغبته في طي حقبة مظلمة ارتبطت بالمحاصصة الطائفية والسياسية.