اقتصاد العالم يتحوّل بقلم:عامر ذياب التميمي
كيف سيكون الاقتصاد العالمي عام 2017؟ هناك بوادر إلى تحوّل في السياسات النقدية بعد رفع سعر الحسم في الولايات المتحدة خلال كانون الأول (ديسمبر) 2016، وصدور تلميحات بأن سعر الحسم قد يُرفع مرات خلال العام الجديد. ولا شك في أن المصارف المركزية الأساسية في بريطانيا ومنطقة اليورو واليابان ستحاول أن تتناغم مع سياسات مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي.
المهم أن نأخذ في الاعتبار المتغيرات السياسية التي جرت خلال الشهور الأخيرة، إذ انتُخب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وما حمله ويحمله ذلك من انعكاسات على السياسات المالية والاقتصادية للإدارة الأميركية، خصوصاً في ما يتعلق بالنظام الضريبي أو العلاقات التجارية مع الشركاء في أوروبا والصين واليابان وغيرها. كذلك، قد لا تكون الإدارة الجمهورية بقيادة ترامب متحمّسة لفلسفة منظمة التجارة الدولية.
ولا بد من أن نذكر بالاستفتاء في بريطانيا وقرار الخروج من الاتحاد الأوروبي وما يعني ذلك من تبدلات في العلاقات الاقتصادية بين بريطانيا وبلدان الاتحاد الأوروبي، خصوصاً المراجعات الواسعة للاتفاقات والمعاهدات التي أبرمت بينهما، وما سيعنيه ذلك لنشاطات اقتصادية عديدة في بريطانيا وعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي.
يضاف إلى ما سبق ذكره، أن التغيرات في المزاج السياسي ومحاكاة نماذج اقتصادية انعزالية وغير متوافقة مع التطورات التي جرت على مدى العقود الثلاثة الماضية وتطور النظام الاقتصادي العالمي، ستكون موضع اختبار خلال السنة المقبلة وما يليها من سنوات. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن هذه التحولات السياسية قد تشمل بلداناً أوروبية عديدة مثل فرنسا وهولندا، بعدما تعززت الطروح اليمينية والشعبوية فيها.
ومن أهم التحولات المتوقعة ما سيجري في أسواق النفط. يفترض أن أسعار النفط ستتماسك بعد توافق بلدان «أوبك» وبلدان أخرى منتجة للنفط على خفض الإنتاج العالمي من النفط بنسبة اثنين في المئة. هل سيمكن استيعاب التخمة في سوق النفط فترتفع الأسعار إلى مستويات أفضل من معدلها في 2016؟ ربما إذا ما التزمت البلدان المنتجة، كلها أو أهمها، بما تقرر من خفض. لكن، هل سيتحسن الطلب على النفط وتتعدل مستويات الأسعار؟ ذلك سيعتمد على الالتزام بالتخفيضات المتفق عليها وعلى عافية اقتصاديات الدول المستهلكة.
غني عن البيان أن الاقتصاد العالمي يظل بطيئاً في النمو ولا تزال بلدان تواجه استحقاقات الركود شبه الدائم، ومنها اليابان وعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي. وهناك اقتصاديون لا يتوقعون تغيرات في أداء الاقتصاد العالمي في العام الجديد، فهو أنهى أكثر من ست سنوات من الركود، وهم لا يرون أي مؤشرات إلى تحسن الأداء في 2017، وربما تستقر أسعار المواد الأولية والوقود، وربما يقتصر التحسن على أداء الاقتصادات التي تعتمد على النفط والغاز مثل بلدان «أوبك» وروسيا، مثلاً.
لكن جان هازيوس، رئيس الاقتصاديين في «غولدمان ساكس»، يتوقع أن يتحسن أداء الاقتصاد العالمي ويرتفع معدل النمو 3 – 3.5 في المئة. واعتمد في هذه التقديرات على أداء الاقتصاد الأميركي خلال السنوات الماضية، إذ اتسم بحيوية أفضل من الاقتصادات الرئيسة الأخرى. لكن ماذا عن الاقتصاد الصيني وهل يمكن أن يتجاوز المشاكل البنيوية التي بدأت تواجهه؟ تعمل الحكومة الصينية لحفز النشاطات الاقتصادية من خلال أدوات السياسة المالية والتسهيلات الائتمانية بهدف بلوغ معدل نمو سنوي لا يقل عن 6.5 في المئة خلال العام الجديد. لكن، هل يمكن أن تكون هذه الأدوات كافية لحفز النمو في الصين في حال تعثرت العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة بعد تولّي إدارة ترامب الحكم في واشنطن؟
وماذا عن دور اليابان في إنعاش الاقتصاد العالمي؟ معلوم أن الاقتصاد الياباني لا يزال يعاني من تبعات الركود المزمن الذي مضى عليه ما يقارب ربع قرن من الزمن. فخلال تشرين الأول (أكتوبر) 2016، توقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل النمو في اليابان خلال عام 2017 إلى ما يعادل 0.6 في المئة. وحاول «بنك اليابان» (المركزي) أن ينعش الاقتصاد من خلال أدوات نقدية مثل عمليات التيسير الكمي والتيسير النوعي. بيد أن أوضاع اليابان لا تبدو وردية وما زالت معدلات الاستهلاك غير مقنعة.
بعد كل ما سبق ذكره، واضح أن أوضاع الاقتصاد العالمي تستدعي الحفز والتعاون الدولي والبعد عن الحمائية والعزلة.