88 عاما على انتهاء الانتداب البريطاني.. يوم استقلال العراق
سلط تقرير صحفي، الضوء على الانتداب البريطاني في العراق، وما رافق تلك المرحلة، الحسّاسة من تاريخ البلاد، وذلك بمناسبة مرور 88 عاماً على انتهائه.
وقال التقرير إن “نحو 9 عقود مرت على انتهاء الانتداب البريطاني على العراق، ذلك اليوم الذي كان نقطة تحول في تاريخ البلاد الحديث على المستوى السياسي والاجتماعي بعد رحلة طويلة من الكفاح والنضال استمرت 12 عاما، انتهت بإعلان مجلس عصبة الأمم في 3 أكتوبر/تشرين الأول 1932، قبول العراق عضوا فيه، لينال بذلك استقلاله ويتحرر من الانتداب البريطاني المفروض عليه منذ عام 1920”.
الانتداب على العراق
يُعرّف الانتداب بأنه نظام سيطرة وإدارة ابتدع بعد الحرب العالمية الأولى، بإدارة البلدان أو الأقاليم التي انتزعت من الدولة العثمانية وألمانيا، وأُقر هذا النظام في مؤتمر سانريمو بإيطاليا في أبريل/نيسان 1920، بحسب أستاذ العلوم السياسية في بغداد ياسين البكري.
ويضيف البكري أن العراقيين لم يتقبلوا فكرة الانتداب البريطاني على بلادهم، واعتبروه احتلالا، مؤكدا أن هناك رفضا عراقيا لصيغة الانتداب تكلل بأكثر من ثورة، منها ثورة العشرين وثورة محمود الحفيد في السليمانية.
وتجسد الرفض العراقي للانتداب في خطاب التتويج للملك فيصل الأول في أغسطس/آب 1921. وبحسب البكري، فإن في الخطاب ذكر بشكل واضح أنه يهدف لاستقلال المملكة العراقية من سيطرة بريطانيا.
من جانبه، يرى الباحث والمحلل السياسي باسل حسين أن الانتداب البريطاني شكّل مرحلة مهمة في تاريخ العراق السياسي الحديث، وفي تكوينه السياسي والجغرافي.
وأكد أن الانتداب دفع نخب عراقية إلى رفضه في أكثر من شكل، سواء عن طريق تشكيل مندوبين من شخصيات عراقية من مختلف أطياف الشعب العراقي لمقابلة الحاكم المدني البريطاني آنذاك أرنولد ويلسون، أو عن طريق تشكيل جمعيات مناهضة الانتداب مثل جمعية حرس الاستقبال السرية وصولا إلى ثورة العشرين في يونيو/حزيران 1920.
وشهدت فترة العشرينيات صراعا حادا بين بريطانيا والعراقيين، ولا سيما من قبل المجلس التأسيسي، حول التواجد البريطاني في العراق ودوره السياسي والاقتصادي في البلاد وتعديل بنود الاتفاقية.
ويضيف حسين أنه كانت هناك نزعة وطنية متصاعدة للحد من هذا النفوذ مدفوعة بدعم الملك فيصل الأول، حتى وصلت الأوضاع إلى توقيع معاهدة 30 يونيو/حزيران، ثم إلى انتهاء الانتداب البريطاني الذي استمر 12 عاما ودخول العراق في عصبة الأمم عام 1932.
كيف انتهى الانتداب؟
مرت سيطرة بريطانيا على العراق في مراحل عدة، بدأت بمرحلة الاحتلال (1914-1918)، ثم مرحلة الحكومة المدنية البريطانية التي انتهت مع الانتداب 1920، واستمرت مع تأسيس الملكية العراقية حتى انتهاء الانتداب البريطاني عام 1932، بحسب المؤرخ العراقي سيار الجميل.
ويضيف الجميل أن المفاوضات العراقية البريطانية بدأت من أجل عقد معاهدة جديدة في 31 مارس/آذار 1930، وقد ترأس الوفد العراقي الملك فيصل الأول، والوفد البريطاني المندوب السامي فرانسيس همفريز، لافتا إلى أن الحكومة العراقية كانت تنشر بيانا يوميا حول ما يدور في المفاوضات.
ويبين الجميل أنه في 8 أبريل/نيسان 1930، صدر أهم بيان عن الحكومة العراقية بشأن المفاوضات، يتضمن نقاط الاتفاق.
وكانت الاتفاقات تنص على أن المعاهدة التي تجري المذاكرة فيها ستدخل حيز التنفيذ عند دخول العراق عصبة الأمم، كما أن وضع العراق سيكون وضع دولة حرة مستقلة.
ويتابع المؤرخ العراقي أنه تضمن أيضا إنهاء جميع المعاهدات والاتفاقات الموجودة ما بين العراق وبريطانيا عند دخول المعاهدة الجديدة حيز العمل، والانتداب سينتهي بطبيعة الحال.
وبذلك انتهى الانتداب البريطاني على العراق، ليغدو دولة مستقلة ذات سيادة وعضوا في عصبة الأمم، بحسب الجميل.
ووجد العراقيون آنذاك أنهم أول من حصل على استقلاله الوطني من شعوب المنطقة، كما شعروا أنهم في دولة ذات سيادة ومستقلة رسميا ولها عضويتها في عصبة الأمم، حيث يرى الجميل أن هذا أمر ليس بالقليل مقارنة بغيرها من دول المنطقة، إذ غدت مكانة العراق كبيرة ومحترمة في العالم حتى عام 1958.
مؤشرات استقلال العراق
وبعد انتهاء الانتداب البريطاني، يمكن أن تطرح التساؤلات عن حقيقة حصول العراق على استقلاله، وما المؤشرات التي تدل على ذلك.
ويرى الباحث والمحلل السياسي باسل حسين أن العراق قد حصل على الاستقلال آنذاك، لافتا إلى أن ذلك يعود لأحد شروط الانضمام لعصبة الأمم، وهو أن يكون العراق دولة مستقلة.
ولفت إلى أنه ينبغي أن يؤخذ الأمر بالسياق التاريخي وصيرورة الدولة العراقية، وألا يتم الحكم على استقلال العراق آنذاك بمفاهيم حديثة.
ويعتبر ياسين البكري استقلال العراق قضية مهمة ومحورية، إذ كان هناك نضال عراقي سياسي للوصول إلى هذا الهدف، كما كانت مقولة الملك فيصل الأول “خذ ثم طالب”.
ويضيف أستاذ العلوم السياسية أن الملك فيصل استطاع أن يحقق الكثير من المكاسب، وصولا إلى الاستقلال، والذي أصبح به العراق أول دولة عربية تستقل من الاحتلال، وهو إنجاز كبير يمكن أن يحسب للنخب السياسية في ذلك الوقت.
لكن البكري يرى أنه لا يمكن القول إنه كان استقلالا كاملا، لأن بريطانيا سعت لتحقيق هذا الهدف مقابل اتفاقية عقدها نوري السعيد (الذي شغل منصب رئاسة الوزراء في المملكة العراقية من عام 1930 إلى 1958) في حينها، وكان من المتحمس لها من أجل الوصول إلى هدف الاستقلال، على الأقل للانضمام إلى عصبة الأمم المتحدة.
كبلت الاتفاقية العراقية البريطانية العراق بقيود كثيرة، ومنها مسائل عسكرية واستخدام بريطانيا للمطارات أو حصولها على قواعد عسكرية في الحبانية في الأنبار (غربي البلاد) أو الشعيبة في البصرة (جنوبي البلاد)، واستخدامها للطرق وسكك الحديد، معتبرة العراق شريكا أو حليفا في أي حرب تدخلها بريطانيا،
وكانت هذه بالفعل قيود كبيرة، لكن بحسب البكري فالاستقلال -حتى إن شكليا- يعتبر إنجازا مهما.
تحولات بعد الاستقلال
وبشأن الواقع السياسي الذي أعقب انتهاء الانتداب البريطاني واستقلال العراق، يضيف البكري أن أبرز التحولات السياسية كانت وفاة المؤسس للمملكة العراقية الملك فيصل الأول، والتي أعقبتها ارتدادات وانعكاسات، مثل اندفاع الشباب وصعود التيارات القومية.
ونتيجة لهذه التغيرات، وقع انقلاب بكر صدقي في 1936، وحركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، مشيرا إلى أن كل ذلك يمثل حركة نمو للتيار القومي، بالإضافة إلى تنامي دور العسكر في الحياة السياسية بشكل كبير.
وبالعودة إلى المؤرخ العراقي سيار الجميل، فإنه يلخص أبرز التحولات السياسية التي حدثت بعد الاستقلال بـ5 محطات: الأولى هي صراع الطبقة السياسية على الحكم باشتراك القوى والأحزاب السياسية، والثانية ولادة تيار عراقي سياسي يجمع الراديكاليين، مقابل ولادة تيار عراقي سياسي يجمع القوميين.
أما المحطة الثالثة – بحسب الجميل – فهي تغلغل السياسة في المؤسسة العسكرية، وتدخل العسكر في السياسة مما قاد إلى حدوث انقلاب بكر صدقي عام 1936.
ويتابع المؤرخ العراقي أن المحطة الرابعة كانت نمو المكانة الإقليمية والدولية للعراق الذي ازدادت قيمته الاقتصادية باستخراج النفط. والمرحلة الخامسة كانت تتمثل في بروز جيل عراقي يحمل تفكيرا جديدا.
ألا يزال العراق مستقلا؟
تتباين آراء المحللين والباحثين حول استقرار العراق كدولة واجهت تقلبات سياسية وأمنية واقتصادية وحروبا مدمرة خلال العقود الأخيرة.
ويقول البكري إن الاستقلال مفهوم نسبي ومتغير، فكلما قويت الدولة وتماسكت واستقرت، كانت قدرتها على الاستقلال أكثر، بالإضافة إلى تأثير مراحل الضعف والتشتت والانقسام على ذلك.
أما قانوني، فيعتبر العراق فاقدا لاستقلاله من أغسطس/آب 1990 -بحسب البكري- وذلك بعد دخوله للكويت، وفرض عقوبات من مجلس الأمن عليه تحت الفصل السابع، وقد استمر هذا الوضع القانوني حتى إخراج العراق من الفصل السابع عام 2017.
ويتابع البكري، أن العراق على المستوى الواقعي يعاني من نفوذ خارجي كبير -على الأقل اليوم- متمثلا بالنفوذ الإيراني والأميركي، لافتا إلى أن هذا التدخل بات واضحا في قدرة الدولتين على التحكم بالسياسة العراقية، على أقل تقدير في ملف تشكيل الحكومات الذي لا يتم إلا بتوافق أميركي إيراني، وإن لم يكن معلنا.
ويرى البكري أن القواعد التركية الموجودة في بعشيقة شمالي العراق، والتدخلات العسكرية التركية لمطاردة حزب العمال الكردستاني، كلها أمور تخل باستقلال الدولة وسيادتها.
وعي جماهيري
ويتابع البكري حديثه بالقول إن من الصعب أن يوصف العراق اليوم بأنه مستقل، لكن هناك وعيا شبابيا وجماهيريا يتجه نحو استكمال السيادة العراقية، سواء على المستوى الداخلي وفرض هيبة الدولة وحصر السلاح بيد الدولة ومنع الجماعات المسلحة والمليشيات، أو على مستوى العلاقة مع الدول الأخرى.
وحول الاختلاف على تحديد يوم الاستقلال العراقي واعتبار يوم انتهاء الانتداب البريطاني يوما وطنيا للعراق، فإنه يعتقد أن ذلك أمر طبيعي ويعود إلى الوضع السياسي والأمني والانقسامات في العراق.
ويضيف البكري أن هناك من لا يؤمن بهذا اليوم، وهناك من لا يؤمن بالعهد الملكي أصلا، ويعتبر أن الجمهورية وعبد الكريم قاسم (أول حاكم للعراق في الفترة الجمهورية) ممثل لشرائح كثيرة من الفقراء، وكذلك الاختلافات المذهبية والأيديولوجية، كل ذلك يسهم في أن يكون من الصعب الاتفاق التام على يوم وطني.
أما الباحث والمحلل السياسي باسل حسين، فيعتقد أنه -طبقا للقانون الدولي- فإن العراق دولة مستقلة كاملة السيادة. لكن من الناحية الفعلية، ما زالت التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الداخلي للعراق تطعن في سيادة العراق واستقلاله، في اتخاذ قراراته وفق الإرادة الحرة.
ويختتم المحلل السياسي بالقول إن اختيار 3 أكتوبر/تشرين الأول عيدا وطنيا هو اختيار موفق، لأنه أكثر التواريخ حيادا.