وول ستريت جورنال: صراعات شرق المتوسط تدفع المنطقة إلى نزاع عسكري
يبدو أن التنافس على الغاز بين القوى الكبرى ومحاولة الاستحواذ عليه في منطقة شرق المتوسط بات عاملاً جديداً قد يدفع المنطقة إلى “صراعات عسكرية”، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
وبحسب تقرير للصحيفة تابعه وكالة “عراقيون” فقد “أثار التنافس على ثروات الغاز المكتشفة حديثًا في شرق البحر المتوسط عددًا كبيرًا من الخلافات، مما دفع القوى الرئيسية في المنطقة إلى المواجهة المفتوحة”.
ويقول التقرير، إن “تحالفاً نشأ بين اليونان وإسرائيل وقبرص ومصر للاستفادة من هذه الاكتشافات، وتقاسم الغاز بينهم، وهو ما رفضته تركيا أكبر اقتصاد في شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي بدأت تستعرض عضلاتها العسكرية بشكل متزايد لكسر عزلتها الإقليمية”.
وأشار التقرير، إلى “المناوشات بين قوافل البحرية التركية واليونانية في المياه المتنازع عليها، بعد أن أعلنت تركيا في 21 يوليو أنها ستبحث عن النفط والغاز قبالة جزيرة رودس اليونانية، إلا أن الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها ألمانيا أقنعتها بوقف الخطة مؤقتًا، والتي كان من الممكن أن تتحول الى اشتباك مسلح”.
وتابعت “لكن هذه مجرد هدنة مؤقتة، ومن المتوقع أن تستمر معركة السيادة على شرق البحر الأبيض المتوسط وموارده في التصاعد، مما يشكل تحديًا جديدًا مهمًا في جزء مضطرب بالفعل من العالم”.
وقال وزير الخارجية القبرصي نيكوس كريستودوليديس في مقابلة: “نرى ميولا من تركيا إلى اتباع دبلوماسية الزوارق الحربية وعسكرة سياستها الخارجية”، ورأى أنها “محاولة من أنقرة للسيطرة على المنطقة”، وأضاف: “نريد أن يتشارك جميع الأطراف في المنطقة في التعاون الإقليمي، لكن تركيا من خلال سلوكها هي التي تستبعد نفسها”.
وجهة النظر التركية
رد المسؤولون الأتراك بأن مطالبات اليونان وقبرص “القصوى” في مياه البحر الأبيض المتوسط هي التي أثارت المواجهة.
وقال مسؤول تركي رفيع المستوى: “إذا نظرت إلى الخريطة، فإنك ترى أن لدينا أطول شاطئ في شرق البحر الأبيض المتوسط، ولدينا مساحة كبيرة من الجرف القاري. التعاون الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا بمشاركة تركيا”.
خلال العقد الماضي، حولت اكتشافات كبيرة من الغاز الطبيعي البحري في المناطق الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية والقبرصية والمصرية المنطقة إلى مصدر عالمي للطاقة، وفي الشهر الماضي فقط، قالت شركة شيفرون كورب إنها ستدفع 5 مليارات دولار لشركة نوبل إنرجي، وهي شركة أميركية تشتمل أصولها الرئيسية على حصص في حقلي غاز ليفياثان وتمار الإسرائيليين وفي حقل أفروديت قبالة قبرص.
وإجمالاً، فإن حقول شرق البحر المتوسط المكتشفة منذ عام 2009 تحتوي على 70 تريليون قدم مكعب من الغاز، أي ما يعادل حوالي 50 عامًا من استهلاك فرنسا، مع كمية مماثلة من المحتمل العثور عليها في المستقبل القريب، وفقًا لشركة Wood Mackenzie الاستشارية.
وتخطط إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا لنقل هذا الغاز إلى أوروبا من خلال خط أنابيب إيست ميد ” EastMed”، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أكد أن هذا الخط لن يمضي دون موافقته.
كما أنه في عام 2018، ادعت سلطات شمال قبرص التركية أن لها الحق التنقيب في جزء كبير من المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية، بما في ذلك قبالة الجزء الجنوبي من الجزيرة، وطردت البحرية التركية سفينة حفر إيطالية سمحت بها الحكومة القبرصية، ثم في نوفمبر الماضي، أذهلت تركيا جيرانها من خلال التوقيع على صفقة ترسيم بحرية مع ليبيا، وأعطى هذا الاتفاق، الذي وقعته أنقره مع حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها، الكثير من المناطق البحرية التي تقع تحت سيطرة اليونان.
ويرفض المسؤولون الأتراك أن يكون لجزيرة كاستيلوريزو اليونانية الصغيرة التي تبعد ميلا واحدا فقط عن الشواطئ تركيا أي حق في المياه الاقتصادية.
صراع عسكري
وقال الأدميرال غوردنيز، مدير مركز أبحاث بحري في جامعة كوك في اسطنبول: “هل من يتوقع أن تتخلى تركيا عن 50000 كيلومتر مربع بسبب هذه الجزيرة الصغيرة؟ إنها حصة أجيالنا المستقبلية، هذا مستحيل. إنها لعبة محصلتها صفر”، مضيفا: “الأمر يستحق أن نواجه العالم كله، وليس فقط دولة واحدة أو دولتين أو ثلاث، لأننا نتحدث عن الوطن الأزرق، امتداد وطننا”.
لم تعترف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمطالب تركيا، حيث وصفت أوروبا اتفاقية ترسيم الحدود بليبيا بأنها “غير مفيدة واستفزازية”، وفي علامة على الإحباط المتزايد من تركيا، أعلنت الولايات المتحدة أيضًا في يوليو أنها ستبدأ تدريبًا عسكريًا مشتركًا مع قبرص لأول مرة لتعزيز الاستقرار في المنطقة.
من جانبه، ذكر ثانوس دوكوس، مستشار الامن القومي اليوناني، أن تعريف تركيا لمنطقتها البحرية الخاصة يتعارض مع الاتفاقية الدولية لقانون البحار، وكذلك الجغرافيا والحس السليم، وينتهك حقوق السيادة اليونانية ويتحدى المصالح اليونانية بطريقة لا يمكن لأي حكومة قبولها، مؤكدا أنه توجد احتمالية كبيرة لنشوب صراع عسكري وأن بلاده مستعدة له.
وترى الصحيفة الأميركية أن أحد المحركات الرئيسية لسلوك تركيا هو أنه باستثناء حكومة طرابلس التي تسيطر على نصف ليبيا التي مزقتها الحرب، فإن أنقرة – المشاركة أيضًا في العمل العسكري في سوريا والعراق – ليس لديها تقريبًا حلفاء في المنطقة.
على الجانب الآخر، أنشأت مصر وإسرائيل وقبرص واليونان والأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا أول منظمة إقليمية تتعاون في مجال تطوير الطاقة منتدى شرق المتوسط للغاز، كما تقدمت فرنسا بطلب للانضمام للمنظمة.
وتعليقا على هذه المنظمة، أكد مسؤول تركي رفيع المستوى أن هذه المبادرات تحاول استبعاد تركيا من معادلة الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط ، وأنه لا يمكن لأحد أن يتوقع من تركيا ألا تفعل شيئًا، وقال: “لهذا السبب أطلقت تركيا البرنامج البحري ونحن عازمون على الاستمرار”.
اعتداء على مصر
ويوم السبت الماضي، أعلنت مصر أن جزءا من عمليات المسح الزلزالي الذي تقوم به تركيا في منطقة شرق البحر المتوسط قد يتعدى على المياه التي تعتبرها القاهرة منطقة اقتصادية خالصة لها.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان إن الإنذار الملاحي الذي أصدرته تركيا الشهر الماضي بشأن أعمال المسح السيزمي يتداخل مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر “ويشكل انتهاكا واعتداء على حقوق مصر السيادية في منطقتها الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط”.
بينما أكد وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتز أنه في حين أن إسرائيل مهتمة بتعميق تحالفها الحالي مع اليونان وقبرص، هذا لا يعني أنها ستنجر إلى صدام عسكري مع تركيا، وأضاف: “لا أعتقد أن إسرائيل شاركت على الإطلاق بشكل مباشر في نزاع مسلح بين دولتين أخرتين”.
على أي حال، فإن التباطؤ الاقتصادي العالمي وانخفاض أسعار الطاقة جعل مشروع خط أنابيب إيست ميد، الذي يمثل تحديًا تقنيًا بالفعل، أكثر تعقيدًا، وصرح أنجيلوس سيريجوس، مشرع من الحزب الحاكم في اليونان، أن خط الأنابيب نظري بالكامل في الوقت الحالي، وإنما تخشاه تركيا ليس خط الأنابيب، لكن التعاون بين اليونان وقبرص وإسرائيل.