عندما تصنع الطائفة وحشها.. مقال يحيى الكبيسي يثير جدلاً واسعاً ويُخرج المارد “الطائفي”
بغداد – عراقيون
لم يدر في ذهن فيكتور فرانكشتاين وهو يصنع وحشه (مخلوقه)، أن هذا الوحش سيتمرد عليه ويفرض شروطه، بل ويورطه في جريمة من جرائمه. فتحول الصانع، في النهاية، إلى رهينة بيد صنيعته! وبالتأكيد لم يكن فرانكشتاين يمتلك أي جواب عن سؤال وحشه: “لماذا شكلت وحشا شنيعا، ثم انقلبت عليه وأصبحت حتى انت تشمئز منه”؟
هذه مقدمة مقال للكاتب والباحث المعروف يحيى الكبيسي، حيث تحدث عن صنع وحش في العراق، وهو الحشد الشعبي، لكنه اليوم انقلب على صانعيه، ولم تعد تلك الفصائل تأتمر بأمر من أطلقها، ووظّب أوضاعها، ومنحها الغطاء الشرعي والقانوني.
لكن رؤية الكبيسي أثارت جدلاً وغضباً واسعاً في مجموعات النقاش وكروبات الحوارات السياسية، بل امتد ذلك الجدل والغضب إلى وسائل الإعلام، حيث رد المتحدث باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي، برد وصف بـ”القيح” ضد الكبيسي والطائفة السنية بشكل عام.
تواطؤ الطائفة
يقول الكبيسي “بعد ظهور داعش، تواطأت الطائفة مع ما قام به صناع الحشد من تدليس على فتوى “الجهاد الكفائي” (التي دعت بوضوح المواطنين للتطوع في الاجهزة الامنية لمواجهة داعش) وذلك عبر “استخدام” هذه الفتوى ليس لاطلاق وحش الطائفة المكتمل الصنع، بل من أجل إضفاء صفة القداسة عليه، ولم يسأل أحد من الطائفة كيف، ولماذا، ولمصلحة من، تم تحريف الفتوى! بل تجاوز الأمر الصانعين إلى الدولة نفسها حين مولت هذا المشروع ضمن قانون موازنتها عام 2015 دون غطاء قانوني! “.
ويختم مقاله: “في روايته الرائعة فرانكشتاين في بغداد، يعلمنا الروائي احمد سعداوي حكمة تقول إن (من يرتدي تاجًا, و لو على سبيل التجربة, سيبحث لاحقًا عن مملكة)، فكيف لك ان تعترض على الوحش الباحث عن مملكته، او جمهوريته بالاحرى، إذا كنت أنت بنفسك من وضع التاج على رأسه؟
لكن مقال الكبيسي، – وهو المعروف، بنقده اللاذع للفصائل المسلحة، وأجزاء من الحشد الشعبي، بقوة حجته، وأسلوبه، وبيانه، وذاكرته الحديدية، وسعة اطلاعه على أدبيات القانون – انصرف بشكل مباشر، واقتحم غرف السياسيين وزعامات التحالفات، حيث رد النائب والمتحدث باسم تحالف الفتح أحمد الأسدي على هذا المقال، وفتح كتباً قديمة، وملفات عفا عليها الزمن، وأحياها ونفخ فيها، بل عزف في رده على عدة أوتار.
بدأ الأسدي، رده باتهام الكبيسي بقتل 400 عراقي في الحلة عام2003، وإقامة مفارز في منطقة اللطيفية.
وقال الأسدي: “لو كان فرانكشتاين حياً يايحيى لكتب روايته على خلفية مذابح القاعدة وكتائب ثورة العشرين وحماس العراق، وأكثر من عشرين فصيلاً متوحشا كانوا يذبحون العراقيين بدم بارد على مفارق الطرق الخارجية وفي الساحات العامة وفي صفوف رياض الاطفال”.
وأضاف “انتم كنتم رهائن وحوشكم التي كانت تفتك بنا وبشبابنا واطفالنا وشيوخنا ورجالنا ونسائنا طيلة 17 عاما وزادها هذا اللهاث المتوحش على مؤتمرات الخيانة التي شاركتم بها وسلمتم اعناقكم من خلالها لخارج الحدود لمدن متوحشة تبحث عن فريستها الشيعية في المنام قبل البحث عنها في اليقظة”.
الحشد ليس وحشاً طائفياً.. أنتم ’أقلية سنية’
وتابع الأسدي، أن “سنوات طويلة وانتم رهائن خطاب الكراهية وقد توزعتم على شكل محور مؤلف من كتاب ومقاتلين وارهابيين في المدن وخلايا الدم ومضافات في مكحول والخانوكة وغيرها .. اما انت فكانت ولازالت مهمتك الدفاع عن صورة الوحش في الفضائيات العراقية والعربية”.
وتساءل: “هل حقا ان الحشد الشعبي وحش طائفي؟. ماذا تسمي الصورة الباسلة لهذا الحشد وهو يهزم من اراد الاعتداء على نساء قبائلك في الرمادي والفلوجة وتكريت والعلم ويحفظ لهن كرامتهن في معركة هي الاشرس والاعظم في تاريخ المعارك العراقية والعربية على الاطلاق؟، وكيف يمكن ان يكون الحشدي الذي حرر النساء والرجال ورفع عن اعناق عشرات الالاف من ابناء (الأقلية السنية) بنادق وسيوف داعش وحشا وتتناسى في استهدافك الطائفي وحشية داعش ووحشية الداعشي وهو ينهش لحوم اهلك وابناء عشيرتك لتصف الحشدي وحشا ومحتلا وغاصبا؟”.
وتفاعل مغردون ومدون على مواقع التواصل، والشبكات الاجتماعية، مع مقال الكبيسي، ونقلوا مقتطفات منه، مشيرين إلى أنه تشخيص للحالة التي يعيشها العراق.
سلمان الجميلي يرد
بدوره، رد وزير التخطيط الأسبق سلمان الجميلي، على النائب الأسدي، وأبدى استغرابه من استخدام تلك اللغة في التعاطي مع مكون من الشعب العراقي.
وقال الجميلي، :”عندما أمعنت بالقراءة لما حصل وجدت أن الأخ الاسدي وكأنه كان ينتظر اسقاطة الكبيسي الشخصية ليدور القيح على اهلنا وباقذع العبارات …وكان بداية عليك يا سيد احمد ان تعلم ان الكبيسي لا يمثل حزبا سنيا ولا خطاب السنة ..فهو قد قال ما قالة حاله حال عشرات الذين نراهم يكتبون بأقسى مما قاله الكبيسي ولم نتخذ ذلك منهجا لطعن أو مسبة لاهلنا الشيعة العرب الاقحاح، فنحن رجال دولة بفكرنا وعملنا ومنهجنا لا رجال طائفة او حزب يسعى للتسويق الاعلامي الطائفي”.
وأضاف، “عندما يكون الرد بهكذا مستوى من شخص يمثل جهة رسمية والمؤلم انه تطاول على مكون له مكانة ومواقف يدعونا ذلك للقول الذي يحفظ لاهلنا حقهم التاريخي ويدفع (الداء) الذي رماه وانسل، فإننا كمكون لسنا كما وصفت بالاقلية فكلامك يفتقر للمنطق والحقيقة وكم كنا نطالب بإجراء تعداد سكاني يهدف لاعطاء الجميع حقوقهم ولكن عقيدة الوهم ترسخت بكل جلاء لمن يريد غبن حق الاخرين وها انت اليوم تتباهى بذلك الذي بيت له النية، وخلاف ما قلته من انرعاج وكانك تقول (شكرا للكبيسي ) لانه كسر عن المارد المقيت الطائفي قيوده لتنطلق بكلام معيب”.
واستعرض الجميلي، دور القبائل السنية في الحرب ضد الارهاب، عام 2006، وما بعدها، ضد تنظيم القاعدة، عندما تشكّلت الصحوات، وتمكنت من هزيمة التنظيم في وقت قياسي، في مجمل المحافظات التي كان يتواجد فيها، مثل بغداد، وصلاح الدين، والأنبار وديالى وغيرها.
وقال الجميلي: “عندما تتحدث عن تحرير الرجال والنساء والإعتداء على النساء من هيمنة الارهاب عليك ان تعلم إننا صحوة العراق بقيادة الشهيد عبد الستار أبو ريشه سبقناك وغيرك بمقاتلة الارهاب واعطينا الاف الشهداء زمن تنظيم القاعدة الارهابي …ولم نتحدث عن نساء ورجال جميع الطوائف والمكونات الذين رفعنا عن رقابهم سكاكين الذبح ذاك الزمن الذي لم نراك فيه ولم نرى صوتك ولم نراك عندما اعتقلنا الاف الارهابيين ونسلمهم للحكومة ولكن المؤسف هكذا فكر هدام هو من اعاد اطلاق سراحهم ليعيثوا بارضنا الفساد ولتشكل حشدك وتصبح صاحب الفضل وتتحدث وكأن الاخرين ليسوا ابناء وطن شاركوا كغيرهم بمواقف وتضحيات”.