مستقبل سوريا ليس كمستقبل العراق بقلم: فاروق يوسف
حُرم المعارضون السوريون الآن من فرصة الاستئثار بحكم الحطام السوري على غرار ما حدث للحطام العراقي.
من المحتمل أن لا يستمر بشار الأسد رئيسا. رمزيا فإن الرجل ينتمي إلى مرحلة، كانت فيها سوريا في خطر. كان الوجود السوري كله في تلك المرحلة يواجه تهديدا حقيقيا، تم اختزاله بطريقة مبسطة برحيل الأسد نفسه.
لقد تم التركيز على شخصية الأسد. أيعقل أن المعارضة السياسية السورية وهي تضم شخصيات، عُرفت بخبرتها الاكاديمية كانت تجهل أن رأس النظام لم يكن مطلوبا غربيا إلا من أجل الخلاص من النظام الذي اشتبك مصيره تاريخيا بمصير الدولة السورية.
لقد استهوت اللعبة العراقية المعارضين السوريين، بالرغم من أنهم كانوا يعلنون غير ما يضمرون. فهم من خلال الحاحهم على أن تقوم الولايات المتحدة على التدخل عسكريا في الحرب السورية كانوا يحلمون باستعادة السيناريو العراقي.
حرب تفتح البلد للتابعين. لا شيء آخر.
من حيث لا تدري وهبت المعارضة الرئيس الأسد صفة رمزية، كان من الممكن أن لا يحوز عليها لو لم يتم التركيز عليه، هدفا للمشروع الغربي الذي يُراد من خلاله تدمير سوريا كما حدث في العراق تماما.
التدخل الروسي كان فاجعا بالنسبة للمعارضة السورية التي لم تشعر بفجيعة التدخل القطري والتركي ومن ورائهما الغرب كله في أوقات سابقة.
لا روسيا ولا الغرب من قبلها كانا يفكران في الأسد.
لقد فتحت تركيا حدودها بتمويل قطري وإشراف استخباراتي أميركي لعشرات الألوف من المقاتلين الأجانب القادمين من مختلف أنحاء الأرض للمساهمة في الخراب السوري.
أكان كل ذلك الجهد كله من أجل اسقاط الرئيس الأسد؟
فشلت المعارضة بسبب التدخل الروسي في اقتلاع الأسد، وهو ما يعني ضمنيا أنها فشلت في اقتلاع الدولة السورية. وهو ما حرمها من فرصة الاستئثار بحكم الحطام السوري على غرار ما حدث للحطام العراقي.
كان اسقاط الأسد سيؤدي بالضرورة إلى تفكيك الدولة السورية. وهو ما يعرفه المعارضون جيدا. ليس لأن الأسد الأب صنع شبكة محكمة من العلاقات بين مصيري النظام والدولة كما حدث في العراق تماما، بل لأن التدخل الغربي، الأميركي بالتحديد الذي كان المعارضون يدعون إليه لم يكن ليبقي حجرا على حجر من كيان الدولة السورية. وهو ما حدث في العراق تماما أيضا.
أكان المعارضون السوريون غافلين عن الدرس العراقي؟
من السذاجة والغفلة القول بذلك.
منذ مؤتمر إسطنبول (2011) أقر المعارضون بأمرين، شكلا في ما بعد سببين قاتلين للثورة السورية. الأول من داخلها والثاني من خارجها. اما الأول فيمكن تلخصيه بالقبول بوجود الغالبية الاخوانية بين صفوف المعارضة وكان الثاني قد ذهب إلى الموافقة على عسكرة الثورة. كلا الامرين أضفيا على دفاع النظام عن وجوده مشروعية الدفاع عن الكيان السوري المستقل.
فالاخوان المسلمون وبسبب منطلقاتهم النظرية لا يهمهم في شيء مصير الدولة السورية. وهو ما عبرت عنه تجربتهم في حكم مصر لسنة واحدة. اما عسكرة الثورة فقد وضعت نظرية النظام عن تصديه وملاحقته لجماعات إرهابية مسلحة موضع التطبيق الواقعي.
لقد امتزج الامران بمرور الوقت فأنتجا الجماعات الارهابية ذات النزعة الدينية المتشددة المدارة والممولة من قبل دول ممثلة بأجهزة مخابراتها. وهو ما سكتت عنه المعارضة زمنا طويلا، فلم يصدر الائتلاف الوطني السوري مثلا بيانا يندد به بنشاط الجماعات الإرهابية باستثناء موقفه من تنظيم داعش الذي ألحقه المعارضون بالنظام. وهو موقف ينطوي على الكثير من التضليل الساذج.
لذلك يمكنني القول إن فشل مشروع المعارضة لم يكن وليد اللحظة التي هزمت فيها فصائلهم في حلب. بل يعود ذلك الفشل إلى لحظة الرهان على الاخوان والتدخل الغربي معا. وهو ما تكشف عنه جملة لطالما رددها المعارضون “لقد تخلى الغرب عنا”.
الغرب لم يتخل عنهم إلا بعد أن تيقن من عجزه عن الحاق سوريا بالعراق.