د. ريان توفيق الهاشمي يكتب: عالم أفكارنا .. دعوة للمراجعة
تعد مراجعة الأفكار بين الفينة والأخرى قضية في غاية الأهمية لمن يريد أن يسهم في البناء الحضاري لمجتمعه وأمته؛ إذ إن المحرك الرئيس للفعل الحضاري هو قارورة الأفكار، فالوعي الذي تحركه أفكار منغلقة ترفض الانفتاح على الآخر لا يمكن أن ينتج ثقافة ترفع منسوب الترابط الإنساني، ومن ثم الإسهام الجمعي باتجاه بناء رصين على مستوى سعادة الإنسان، وتفعيل دوره باعتباره خليفة عن الله في أرضه. والوعي الذي تؤطره الحزبية الضيقة على صعيد المؤسسة والمجتمع والدولة، لا يمكنه أن يؤسس لمجتمع يتطلع إلى أن يحاكي المجتمعات التي تجاوزت هذا الركام المعطل للفعل الحضاري، وبنت نظامها المؤسساتي على أساس الكفاءة والإنجاز. والوعي الذي يفكر من خلال منظومة ترى أنها هي التي تحمل الصوابية، وأنها صاحبة الحق المطلق لا يمكن لهذا الوعي أن يسهم في بناء علاقات اجتماعية مستقرة؛ إذ ستنتج هذه المنظومة الأحادية النظر جملة من التوترات على الصعيد الديني والثقافي والسياسي، وتجعل المجتمع في ظلمات إثر ظلمات. والوعي الذي يفكر من خلال أفكار تتجاوز المعطى المعرفي والتخصصي تجعله يدلي برأيه في كل مسألة ويتصور بهذا أنه موسوعي لا تخفى عليه خافية، فيسهم من حيث لا يدري في صناعة التجهيل .. وهذا جلي من خلال الكثير من المنشورات التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي. الحقيقة التي لا يقبلها الكثير منا أن هناك مستوى عاليا من الدوغمائية ( الجزمية ) تهيمن على عالم أفكارنا، تجعلنا نتصور أنفسنا وكأننا معصومون عن الخطأ، وأن أفكارنا لا تقبل المراجعة أو النقد، والأخطر من هذا كله هو عندما نؤطر أفكارنا بسياج من الأدلة الدينية، ونُكِّون قناعات نتصورها قاطعة، وهي في واقعها أوهى من خيط العنكبوت. إن الأفكار التي تجعل البعض يتصرف بأنانية منقطعة النظير، فلا يرى إلا مصلحته الخاصة، والأفكار التي تجعل البعض يتخطى حاجز القيم بشتى تمظهراتها ، فيقع في حبائل الغش والتدليس على مستوى التعليم والتجارة والمؤسسة، والأفكار التي تجعل من مبدأ العمولات في شتى الأعمال أمرا سائغا .. لهي أفكار بحاجة إلى مراجعة واستدراك قبل فوات الأوان. وأخيرا فإن الخطاب القرآني ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )) يهز وجداننا، ويحفز الجذور الحية المغمورة في كياننا، ويستحثنا أن نبادر إلى عالم أفكارنا المنتج لهذا الكم من السلوكيات التي تتخطى المرجعية الشرعية والقيمة، فنعمد إلى فحصها ومراجعتها، فالمقدمات الصحيحة هي التي تنتج النتائج الصحيحة، والخاطئة هي التي تنتج النتائج الخاطئة.