سعد سعيد الديوه جي يكتب:نظرة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) للخلافة
لقد كان للطريقة الهزلية والهمجية التي طرحت بها داعش مسألة (إدارة الدولة والمجتمع)، والعنف الذي اتبعته في قطع الرؤوس والحرق والقتل والسبي ومعاملة الناس بقسوة، أثرها البالغ في تشويه صورة الإسلام عموماً في نظر المسلمين وغيرهم، وخصوصاً في أذهان الأجيال الصاعدة.
ولقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن خلف داعش قوى خفية وعلنية مولتها ودربتها وجهزتها بالسلاح، وهذا خارج إطار ما نريد قوله، ولكنه شيء لا بد منه، ناهيك عن الطريقة الهوليودية في إخراج افعالهم المشينة من قبل جهات الإعلام.
ومن المؤكد ان طريقة الاستخلاف، طريقة تولي السلطة ليست من أصول الدين ولا من أركانه، لأنها لم تذكر في القرآن الكريم وتركها الرسول (ص) للأمة لترى فيها مصلحتها الدينية والدنيوية، كما حصل بعد وفاة الرسول (ص) في السقيفة، وتم اختيار ابي بكر (رض) بسبب صحبته العميقة للرسول (ص) وأن الرسول (ص) اختاره لصلاة الجماعة بعده، ولذلك يجب ان لا تتوقف الإجتهادات بشأنها طالما كانت تصب في خدمة الأمة ومصالحها المتغيرة حسب الزمان والمكان، وخصوصاً بعد انتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية وأختلفت المفاهيم الإسلامية للمسألة حسب تنوع الفرق الإسلامية.
فالرسول (ص) لم يعين خليفة بإسمه وأن أبا بكر (رض) استشار الصحابة بأستخلاف عمر (رض)، فوافق بعضهم مثل عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وسعيد بن الزبير، وعارض الأمر طلحة بن عبيد الله، وهذه هي شورى النخبة من قادة الأمة ورؤوسها، وهي تجربة محددة بزمانها ومكانها ولا يمكن تكرارها في كل زمان ومكان بنسق واحد.
لقد مثل عمر (رض) نموذجاً خاصاً في بحثه عن الأحسن بعيداً عن النسب او العائلة او القبيلة في مجتمع لم تختفي فيه العصبية القبلية والعائلية بالكامل، وأن المسألة كانت تشغل باله حتى قبل استشهاده على يد ابي لؤلؤة المجوسي، فقد قال قولته المشهورة “لو كان سالم مولى ابي حذيفة حياً لوليته”.
ولا بد لنا من وقفة قصيرة مع سالم (رض)، فهو الذي اعتقته زوجة ابي حذيفة بن عتبة أحد أشراف عبد شمس، بعد ان سبي صغيراً، وبيع في مكة في سن لا يتذكر فيها أمه وأباه، ووقتها تبناه ابو حذيفة قبل نزول الآية بإلغاء التبني، (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٥﴾ الاحزاب)، وأسلمت العائلة كلها وارتفع نجم سالم (رض) بعد زواجه من ابنة اخي ابي حذيفة، ثم هاجر للمدينة قبل الرسول (ص) وشهد بدراً مع ابي حذيفة الذي رأى مقتل والده وشقيقه وكانا من أئمة الكفر، وصار سالم (رض) من حملة القرآن، وفي حروب الردة استلم راية المهاجرين من خالد بن الوليد واستشهد فيها مع ابي حذيفة، وفي لحظات الإحتضار كان بجانبه ابا حذيفة يحتضر كذلك فقال له “معاً يا ابا حذيفة هناك”، ولفظ آخر انفاسه، وكان يقصد الجنة.
وربما لم يبلغنا التاريخ عن باقي سجاياه وحكمته ومآثره التي تركت في عمر (رض) ذلك الإنطباع لكي يتولى الأمة مولىً بعيداً عن صلات القربى والعشيرة والحسب والنسب كونه العامل الحاسم في اختيار قادة الأمة.
وكذلك قال قبل وفاته (رض)، “إن ادركني أجلي وقد مات ابو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل”، وربما كان القول عندما شعر عمر (رض) بأنباء اصابة ابي عبيدة بالطاعون في الشام، فأبو عبيدة من اصحاب بدر وهو الذي قال عنه الرسول (ص)، “لكل امة أمين، وأمين هذه الأمة ابو عبيدة”، وفيه نزلت الآية (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٢٢﴾ المجادلة)، بعد ان تجنب والده في بدر، ولكن الأخير أصر على المواجهة مع ولده فكانت نهايته فيها!.
وأبو عبيدة (رض) عندما وجد ميلاً يوم السقيفة نحوه من قبل عمر (رض) قال “ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله (ص) أن يأمنا حتى مات”، ويقصد به ابي بكر (رض).
أما معاذ (رض) فهو من أوائل من اسلموا من أهل المدينة وهو فتىً على يد مصعب بن عمير (رض)، وكان مع الإثنين والسبعين الذين بايعوا الرسول (ص) .
ومعاذ (رض) كان من المقاتلين في سبيل الله، وكان من أقرأ الصحابة، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد الرسول (ص)، وفيه قال (ص) “أعلم امتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل”، وهو الذي توسم فيه الرسول (ص) علامات الإمارة، فأمّره على الدعاة الذين أرسلهم الى ملوك اليمن لكي يعلمونهم دينهم، كما أرسله عمر (رض) الى الشام لنفس الغرض.
هذه المسألة لم تغب عن ذهن عمر (رض)، وهو في النزع الأخير ويعاني من الآلام المبرحة بعد طعنه من قبل ابي لؤلؤة المجوسي، ففكر في اختيار واحداً من نخبة الصحابة وهم علي بن ابي طالب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله (رضي الله عنهم)، مع وضعه سقفاً زمنياً لعملية الإنتخاب بمدة ثلاثة ايام، ومع تأكيده ان يكون صهيب الرومي وهو من الموالي، إماماً للمسلمين في صلاة الجماعة وبحضور شيوخ الأنصار ليشهدوا عملية الإختيار، مع تأكيده لحضور رجالاً من آل البيت كالحسن بن علي وعبد الله بن العباس (رضي الله عنهما)، وذلك تعظيماً ووقاراً لمكانة الرسول (ص)، وبدون افضلية سياسية.
وهكذا كان هذا الرجل يحمل فكراً واقعياً سياسياً لم يتعود عليه معظم المسلمين حتى يومنا هذا، توزع للبحث عن الأفضل بين مختلف طبقات الصحابة مهما كان نسبهم، فسالم ومعاذ (رضي الله عنهما)، لم يكونا من قريش وتلك دلالة عميقة.