خالد الدبوني يكتب:إشارات عودة الساعدي
في اول خطوة ذكية وشجاعة اعاد الكاظمي لبطل التحرير الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي اعتباره، بل أعاد للجيش كرامته التي سلبتها منه منظومة الفساد والفشل. واجزم ان العراقيين يختلفون على اي شيء وكل شيء الا انهم يتفقون جميعهم على مهنية وانسانية وشجاعة هذا القائد المخلص لبلده وشعبه .
ما يحسب للساعدي انه صمد بوجه اغلب الكتل والاحزاب ولم يخضع لترهيبهم او ترغيبهم رغم ان كل ما كان مطلوب منه هو تقديم فروض الولاء لاحدهم فقط لكي يكون طريقه بعدها مفروشا بالورود، رفض البطل وبقي معتزا بمهنته وشرف الجندية المترسخة في ضميره.
ومن الانصاف القول ان تكليف الغانمي للداخلية وإعادة الساعدي كان الخطوة الاولى على طريق الاصلاح الامني بعد ان اعلن الغانمي بوضوح ان الفساد المستشري بالاجهزة الامنية والمؤسسات العسكرية هو الوجه الثاني للارهاب ويحمل نفس الخطر المهدد لمستقبل الدولة، لاسيما ونحن نتلمس نشاط الارهاب المتزايد هذه الايام واللعب على هذا الوتر من قبل الاطراف الداخلية والخارجية.
في ظل هذا الارادة والرغبة في الاصلاح ينبغى ان لا يهمل الكاظمي الجيش العراقي صاحب المؤسسة العريقة طيلة قرن من الزمن، والذي بدون اصلاحه تدريبا وتطويرا وتسليحا سنبقى الدولة الاضعف في المنطقة. نعم قد يبدو هذا الامر غير واقعي نظرا للظروف الاقتصادية الحالية ولقصر عمر الحكومة الحالية ولكن من الممكن رسم السياسات المؤدية لتامين هذا المتطلبات لاحقا.
اما الان وقبل كل هذه المتطلبات يبرز الهم الأكبر وهو الفساد وكيفية ابعاد حيتان الفساد تحديدا عن وزارة الدفاع وخلع انيابهم التي عاودت الحوم، محاولة نهش الوزارة والاستيلاء على مواردها المتبقية رغم نقصها وشحتها قياسا الى التهديدات الداخلية والخارجية المحتملة.
وبالتاكيد سيواجه الكاظمي الحاجة الى الاسناد الجوي الناري والاستخباري الدولي مع ارتفاع عمليات داعش وفي هذا عليه تحديد اسبقية الامن القومي العراقي قبل اي اسبقية اخرى قد يطالبه بها فصائل ما يسمى (محور المقاومة) ومنها جدولة الانسحاب الامريكي. وفي ظل تذبذب مواقف كتل (الشارع الشيعي) بين من تغير موقفه وبين من جدد مطالبته بخروج تلك القوات.
وهنا من الجدير بالذكر الاشارة الى اقليم كوردستان ومنظومته الامنية والذي يدعو للاطمئنان هنا ان الاثنين (الغانمي والساعدي) يحتفظون بعلاقة احترام متبادل مع القادة الامنيين في الاقليم، وهذا سيساعد بالتأكيد على تفعيل مركز التنسيق المشترك بين القوات المسلحة بكافة انواعها لاجل تعزيز امكانيات الحرب على الارهاب لاسيما وان اغلب عمليات داعش الاخير كانت تستهدف المناطق الرخوة امنيا في الحدود الفاصلة بين الاقليم وباقي المحافظات العراقية، وهو ما يدعو الى تعزيز العمل الاستخباري وتبادل المعلومات في مركز التنسيق وخصوصا استقصاء المعلومات من المصادر الارضية المحلية في تلك المناطق.
الا انه وفي نفس الوقت على بغداد ان تلبي متطلبات البيشمركة التي تحتاجها لتنفيذ الواجبات الملقاة عليها في حماية حدود الوطن، واهم ما يجب حسم امره هو تأمين رواتب البيشمركة بصورة مستمرة وثابتة بعيداً عن كل الازمات السياسية والاقتصادية التي تحدث بين بغداد وأربيل بين الحين والاخر، بمعنى ان منظومة الدفاع عن الوطن (بكل فصائلها من جيش وشرطة وبيشمركة وحشد) يجب ان تبقى بعيدة عن السياسة وارهاصاتها.
يجب وليس ينبغي ان يشعر جميع منتسبي القوات المسلحة بمختلف صنوفها بأن قوت عوائلهم ومستقبلهم مضمون وهذا يعني تقوية المنظومة الامنية بمنحها الاستقلالية والمهنية الكاملة وتجفيف نفوذ الاحزاب السياسي والمالي عليها، والا فاننا عائدون الى مربع ما قبل 2014 ونتائجه الوخيمة.
والواضح للجميع ان من اسباب سقوط نصف البلد بيد داعش هو افتقاد المنظومة الامنية للمهنية بالعمل وسيطرة قادة السياسة على قادة الجيش مع افتقادنا لرجال دولة حقيقيين في ذلك الوقت ولذلك حلت بنا الكارثة، وبالتالي المطلوب من حكومة الكاظمي ان يكونوا رجال دولة ويتصرفون وفق هذا المبدأ لا غير.
سيواجه الكاظمي صعوبات ومصدات ما انزل الله بها من سلطان في قادم الايام، ولكن اذا كانت ارادته صلبة ونيته صادقة في التغيير، فسيتغلب على الازمات بالاعتماد على الشارع الذي يجب ان يتحمل مسؤوليته كاملا في سبيل نيل المطالب، وأول واجب هو منح الفرصة الكاملة للكاظمي لتنفيذ مشروعه السياسي ازاء الازمات الحالية، لانها الفرصة الاخيرة لنا جميعا، لعله ينجح فيما فشل فيه الاخرون.