من ينصف المواطن العراقي بقلم: جواد العطار
لم تقدم الموازنة شيئا يذكر للمواطن سوى زيادة معاناته والضرائب المفروضة عليه
اقرت موازنة عام 2017 قبل انتهاء العام الحالي بفترة بسيطة وبعجز يصل الى واحد وعشرين تريليون دينار عراقي، وسط خلافات حادة بين الكتل السياسية ذاتها على الكثير من تفاصيلها، حتى ان عملية التصويت على فقراتها مرت بعدة مراحل ورفض علني لممثلي الكتل الكردستانية والتي اعتبرها الاقليم اخيرا بانها “مخطط سياسي خطير”. فماذا تضمنت هذه الموازنة حتى يعصف الخلاف حولها بهذه الشاكلة؟ هل كانت في صالح المواطن؟ وهل ستغير من الاوضاع الاقتصادية في العام القادم؟
ان من يراجع الموازنة سيجد الصيغة العامة لها تقشفية تثير الكثير من التساؤلات ولا تتواءم تماما مع ارتفاع اسعار النفط عالميا لحظة اقرارها والتي كانت فوق 54 دولارا للبرميل الواحد! واذا تجاوزنا هذه السلبية غير المبررة بتسجيل سعر اساس 42 دولارا للبرميل في الموازنة والتشاؤم الذي لا يتفق مع نتائج اجتماعات اوبك واتفاق حتى المنتجين من خارجها في فيينا السبت الماضي على خفض الانتاج بما سيرفع من الاسعار اكثر مما هي عليه حاليا، فإننا نتساءل ماذا قدمت هذه الموازنة للمواطن العراقي البسيط؟
باختصار؛ لم تقدم الموازنة شيئا يذكر للمواطن سوى زيادة معاناته والضرائب المفروضة عليه، وبالشكل التالي:
– تقنين التعيينات بشك لافت وعلى كافة المستويات، ولا نعلم اين سيذهب كم خريجي هذا العام وفي كافة الاختصاصات؟ هل سيلتحقون بركب العاطلين ام سيدخلوا في مزايدة للفوز بالقليل المعروض من تعيينات القطاع العام التي تباع في الخفاء لمن يدفع اكثر.
– اقرت المادة 21 التالي: على وزارات الكهرباء، الاتصالات، الاعمار والإسكان والبلديات العامة، وامانة بغداد تفعيل جباية اجور الكهرباء والهاتف والماء والمجاري وجميع الرسوم الاخرى المنصوص عليها ضمن قوانينها الخاصة عن الخدمات المقدمة للمواطنين… وهذه المادة تعسفية جدا لان هذه الجهات سوف تلجأ حتما لاستخدام الاجبار في الزام المواطن على دفع مستحقات الدولة التي ارتفعت اسعار خدماتها من كهرباء وماء ومجاري وهاتف – الغير موجودة اصلا، الى مئات الاضعاف ودون سابق انذار بذلك او توعية او تعريف بالاسعار الجديدة وقوانين المواطنة التي تستلزم تسديد مستحقات الدولة.
– استمرار العمل بضريبة الهاتف النقال البالغة عشرين بالمئة من قيمة كارت التعبئة، رغم انها اقرت العام الماضي عندما كان سعر النفط 27 دولارا بينما هو ضعفه تماما اليوم، فلماذا لم ترفع؟ ومن المستفيد من استمرارها؟ ولماذا لا تفرض على ارباح هذه الشركات الخيالية بدلا من قيمة كارت التعبئة؟
– زيادة الرسوم الكمركية على البضائع المستوردة.. بما ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطن.
– فرض رسم مطار بمبلغ مقطوع مقداره خمسة وعشرون الف دينار للتذكرة الواحدة عن السفر الخارجي ومبلغ مقداره عشرة الاف دينار عن (السفر الداخلي) في جميع المطارات العراقية وتُقيد إيراداً للخزينة العامة.. وهذا اجراء لا وجود له في كل دول العالم، وغير معمول به اصلا في تأريخ الطيران، خصوصا في فقرة السفر الداخلي.
– زيادة الضرائب على العقار.. ولا نعلم ما الجدوى من هذه الزيادة من عشرة بالمائة الى 12 بالمئة، لأنها ستنعكس سلبا على المواطن البسيط الذي لا يملك دارا او سكنا ويبقى تحت رحمة اصحاب العقارات الذين سيجنون الاثنان بالمئة منه اضعافا.
واذا كان اعلاه ذا مساس مباشر بالمواطن واستحصال تعسفي من وارداته دون حساب لها او لاقيامها، فان نظرة ثاقبة الى موازنة عام 2017 نجد ان مشرعها اراد شيئين لا غيرهما:
اولا – اقتصادي: يستلزم العبور بالعراق عام 2017 باي شكل كان؛ على المستوى الاقتصادي.. ترقبا لأسعار النفط المستقبلية.
ثانيا – سياسي: يستهدف ترويض اقليم كردستان من خلال المادة الثامنة اولا؛ بإعادة ربطه بالعراق بعد ان صدر النفط منفردا وتمرد على ارادة الحكومة الاتحادية خلال العامين الماضيين.
لكن نظرة اخرى لمشرع الموازنة نجد انه اغفل وسائل تعظيم الموارد غير النفطية من خلال العمل على اعادة الحياة الى معامل القطاع العام المعطلة وتطوير البنى التحتية المتعبة في قطاعات الصحة والخدمات وفسح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في الزراعة ووسائل الانتاج بعيدا عن اماكن التسوق – المولات ومرافق الالعاب والمتنزهات.. اغفل مشرع الموازنة ومن ناقشها وصوت لها واختلف عليها كل ذلك وغيره، واتجهوا جميعا الى المواطن فقط للبحث في تعظيم الموارد غير النفطية من خلال زيادة الضرائب وفرض الرسوم وتطبيق آليات التقشف.. فمن ينظر الى المواطن؟ ومن يفكر بمعاناته وموازنته اليومية او ميزانيته الشهرية؟ ومن ينصفه بتقليص الرسوم والضرائب التي تفرض؛ وتتكاثر عليه عام بعد عام؛ دون وجه حق؟