قدّم خارطة طريق واستعرض تجارب وحلول عضو البرلمان النمساوي عمر الراوي يوجه رسالة للأحزاب العراقية والمتظاهرين
وجه عضو البرلمان النمساوي من أصل عراقي عمر الراوي رسالة للأحزاب العراقية والمتظاهرين، استعرض فيها جملة من التجارب الديمقراطية والحلول للازمات السياسية التي مرت بها الدول.
الراوي دعا في رسالة الاحزاب العراقية، إلى أخذ “فترة نقاهة” للمراجعة والاستفادة من “الفرصة الحالية”، معبّراً عن عدم حماسه لفكرة اختيار حكومة تكنوقراط دائمية.
وأدناه نص رسالة الراوي:
“أهم شيء في حل كل معضلة أو مشكلة أو تقييم فشل، أن نشخص سبب الفشل. لأن أهم شيء هو مداواة السبب وليس الأعراض.
مصيبة التجربة الديمقراطية في العراق ليس النظام البرلماني، الذي انا شخصيًا أراه الأمثل و الأحسن، ولا السبب في وجود أحزاب، فالاحزاب احد اهم المقومات الديمقراطية.
المصيبة ان الاحزاب التي نشأت في العراق (طبعاً هناك استثنائات) كانت اغلبها ليست احزاباً بالمعنى الحزبي أو فشلت فشلاً تاماً في بناء بنية حزبية وتثقيف كادر حزبي لديه اتجاه أيديولوجي او بوصلة فكرية.
اكاد اجزم انه لا يوجد ناخب او محلل او خبير يستطيع ان يقول لك ما هو اتجاه او الفرق بين الحزب الفلاني او العلاني؟ ما الفرق في توجه سياسة الدولة و اتجاهها في المستقبل لو استلم هذا او ذاك السلطة. ماذا سيتغير في سياسة الدولة الاقتصادية، الخارجية، العدل و القانون، السياسة الأمنية وحقوق الانسان، مكافحة الفقر، العدالة الاجتماعية، توفير السكن المدعوم، مكافحة البطالة، الاستثمار، الخدمات، المواصلات، الخدمات الصحية، الحريات العامة، الإعمار و سياسة البيئة و القائمة تطول. السبب هو ان اغلب من انخرط في العمل الحزبي ليس لديه فكرة او طموح او رؤية سوى استلام منصب و امتيازات.
في سنين الديكتاتورية لم يكن هناك مجال للتثقيف الحزبي، وكان الزعيم الأوحد و رأيه هو البوصلة. وبعد تجربة الديمقراطية اصبحت المحاصصة والطائفة والقومية والدين والمذهب هي القواسم المشتركة الأدنى ولا حاجة لبوصلة.
التصويت محسوم لابن عشيرتي او طائفتي ومذهبي، وبعد دخول النواب الى قبة البرلمان يبدأ البازار السياسي ويأتي وقت السماسرة السياسيين وتتغير الكتل وأسماؤها وأحجامها حسب المعطيات والمصالح، وهنا تبدا شيزوفرينيا جديدة.
البرلمان كله يتفق على حكومة يمكن تسميها حكومة ائتلاف جامعة وهي في هذه الحالة غير متجانسة لان مَن يختارها ليس الحزب الحاكم او الفائز، وفي نفس الوقت، الحكومة تكون بمثابة حكومة أقلية لان لا وجود لمنسق لها مع النواب يضمن لها تمرير برامجها وقرارتها وسياستها.
البرلمان هو عملياً دون معارضة وفي نفس الوقت كله معارضة باتجاه الحكومة.
انا شخصيا لست مؤيداً مبدئيا لحكومة تكنوقراط او رئيس حكومة تكنوقراطي من ناحية المبدأ.
الديمقراطيات الحديثة والتي نجحت حكمت من قبل سياسيين واحزاب ذات اتجاه سياسي معروف ومحدد ولها رؤية مستقبلية. التكنوقراط هم من يحكمون في ظل أزمة أو مشاكل طارئة ودورهم يقتصر على تصريف امور الدولة الى حين الرجوع الى الوضع الطبيعي.
مثلا إيطاليا في قرارها الانضمام الى منظومة اليورو اتفقت قواها على حكومة تكنوقراط لإيجاد حلول اقتصادية وأدوات للدخول.
او تونس إبان كتابة الدستور قررت القوى تسليم امرها الى تكنوقراط لفترة زمنية محدودة. في النهاية هي فترة زمنية انتقالية لتهدئة الامور الى حين القيام بانتخابات جديدة او مبكرة. لذلك قد يكون هذا هو الحل الان في العراق حكومة تكنوقراطية لفترة زمنية مؤقته لتهدئة الامور والتفكير بتعديلات وصياغة رؤية مستقبلية لعراق المستقبل.
نصيحتي لقادة الأحزاب استغلال الفرصة لإعادة تقييم أدائهم منذ ٢٠٠٣ والخروج طوعيا لفترة زمنية محدودة من مسؤولية الحكومة وإعادة كتابة برنامجهم السياسي وتصحيح البوصلة وأفكارهم وأهدافهم وطموحاتهم وليعتبروها فترة نقاهة سياسية مؤقتة للتعافي من اخطائهم. خاصة الاحزاب الإسلامية انصحها بالفصل بين عملهم الدعوي والإنساني وبين العمل السياسي. لا ضير انه يريد مكافحة الفقر مثلا من دافع ديني، لكن الحل يجب ان يكون كيف افعل ذلك ببرنامج و حلول سياسية واقتصادية، كيف استطيع حل الفقر وتوفير فرص العمل و بناء برنامج صحي وتوفير سكن مدعوم ونظام تضامن اجتماعي؟. الناخب عليه ان يقيم أدائي ويصوت لبرنامجي وليس بسلاح الفتوى لان المرجعية او شيخ الاسلام أو المجمع الفقهي نادى لذلك، بالعربي الفصيح التخلي عن سلاح الفتوى في العمل السياسي.
من حق الناخب ان يعلم ماذا سيحصل بصوته بعد أن ادلى به وليس ما يقرره سماسرة السياسة بعدها. ثم الحكومة يشكلها من استطاع أن يجد ائتلافاً داخل البرلمان عدد نوابه النصف + ١. هذه هي الكتلة الأقوى او الأكبر وليس ما يحدده رئيس محكمة دستورية. في النهاية احبتي البرلمان هو الذي يقرر باسم الشعب لانه ممثل الشعب في نظام نيابي لانه ينوب عن من خوله وأعطاه تلك الصلاحيات.
استغلوا هذه الفرصة الذهبية ولا تضيعوها. فرصة للعراق، فرصة للأحزاب وفرصة لهذا الشعب المرهق المبتلى. مجرد افكار ونصائح لأحبائي في ساحة التحرير وباقي المحافظات وللطبقة السياسية والاحزاب والكتل التي كثرت بحيث لم يصبح أي شخص متابع يعلم مَن هو مَن وما اتجاهه!؟