سنة المالكي يتساقطون والأخيار والأحرار يتقدمون / هارون محمد
الاعتصامات السلمية السابقة التي شهدتها بغداد وخمس محافظات عراقية طيلة أكثر من عام، فخر للسنة العرب يضاف إلى سلسلة مفاخرهم في مقاومة الاحتلال ومناهضة الطائفية والتصدي لإيران.
من حق قائد حرس نينوى أثيل النجيفي، أن يرفض الدعوات المشبوهة لتصنيع قيادات وتجميل وجوه، بذريعة إدارة الموصل بعد تحريرها من احتلال تنظيم داعش، لأن الذي يقاتل في الميدان ويقود رجالا يسطرون كل يوم أروع صور التضحيات، ليس مثل المتربعين على مقاعد مجلس النواب، الذين يقضون نهارهم في الثرثرة بكافيتريا البرلمان، وينطلقون بين العصر والمغرب إلى قصر نوري المالكي، وينشغلون في غيبة الناس، وينصتون لتوجيهاته، قبل أن يعودوا إلى شققهم في المنطقة الخضراء وينامون رغدا.
ولأن نوري المالكي بات اليوم في عزلة ومكروها من الجمهور الشيعي الذي راح يمطره بـ”النعل” كما حصل خلال زيارته إلى كربلاء، وتنظيم تظاهرات تندد بطائفيته وتتهمه بالسرقة كما حدث في جولاته الأخيرة للناصرية والعمارة والبصرة، لم يجد أمامه وقد صعق من هول الصدمة، غير لغة التهديد والوعيد والتلويح بصولة “غربان” جديدة، يداري بها خيباته، ثم يتوجه إلى المحسوبين على السنة، يستقبل أنصاف وأرباع الشيوخ ويوزع عليهم فتات المال الحرام، وبعد ذلك يلتفت يمنة ويسرة، فلا يرى غير تسعة نواب منبوذين من بيئتهم، ليحرضهم على شتم رموز السنة العرب في فضائيات معروفة بنفاقها.
ولم يكتف المالكي بما صنعته قراراته الهوجاء في إيذاء الملايين من السنة العرب وتشجيع تنظيم داعش على احتلال محافظاتهم ومناطقهم، فهو اليوم يتحرك ويشاغب على قضية تحرير الموصل، وقد أصابه الإسهال الكلامي بشأنها، بحيث راح يظهر كل يوم، على وسائل الإعلام والفضائيات، ويزعم أن احتلال الموصل مؤامرة دولية دون أن يُفصح عن أسماء الدول المتآمرة، وينكر أنه أمر بسحب القوات العسكرية والأمنية من المدينة، ولا يستحي عندما يصرح بأن الموصل كانت ساقطة فعليا قبل احتلال داعش لها بسبعة شهور، ويتهم سكانها بأنهم بعثيون وقوميون وقاعديون ودواعش اصطفوا على معارضته، دون أن ينتبه إلى أن القوميين والبعثيين وهم غالبية سكان الحدباء، مدنيون حضاريون، لا يؤمنون بالأفكار الدينية المتشددة، وقد بدأت الحقائق تتكشف بعد تطهير أحياء الساحل الأيسر من المدينة، حيث تشير شهادات سكانها الناجين، إلى أن الدواعش نحروا وأعدموا أكثر من سبعة آلاف موصلي خلال الشهور الثلاثين الماضية، أغلبهم شباب وعسكريون سابقون، ومثقفون وأكاديميون وعلماء دين معتدلون وشيوخ عشائر، استدل التنظيم المتوحش على أسمائهم وعناوينهم، من ملفات استخبارات وزارة الداخلية، وتقارير المخبر السري، وسجلات الشرطة الاتحادية، التي كانت تتهمهم، بأنهم مقاومون ومعارضون وعروبيون وبعثيون وصداميون ونقشبنديون، تركت سليمة في المقرات الأمنية الحكومية بالموصل، عند الانسحاب المخزي الذي أمر به المالكي.
إن لعبة المالكي في استقبال بعض الشيوخ الذين انقرضوا وتحنطوا، ودعم نواب محسوبين على السنة العرب ظلما وبهتانا، وتحريضهم على الإساءة لصدام حسين وعائلته، والتهجم على حرس نينوى وقائده أثيل النجيفي، ومهاجمة المشروع العربي وزعيمه الشيخ خميس الخنجر، والطعن بشخصيات وطنية وقومية وعشائرية، عارضته طوال حكمه، لن تنجح أبدا، وقد بدأت تردد عليه غضبا شعبيا ونقمة عارمة، لأن السنة العرب باتوا على قناعة كاملة، نتيجة ما مروا به وما عانوه من تنكيل وتقتيل وتهجير ونزوح، بأن لا لقاء ولا تسويات ولا مصالحات مع المالكي وحزبه وكل من أعانه وتعاون معه، ولن تستطيع أي قوة، مهما بلغ حجمها وسلطتها، إخضاعهم، بعد المحنة التي ضربتهم في الصميم وخسروا كل شيء، إلا إيمانهم بقضاياهم العادلة، في العيش بأمان وطمأنينة وحياة حرة كريمة، بعيدا عن التسلط عليهم ومصادرة خياراتهم.
إن الاعتصامات السلمية السابقة التي شهدتها بغداد وخمس محافظات عراقية طيلة أكثر من عام، فخر للسنة العرب يضاف إلى سلسلة مفاخرهم في مقاومة الاحتلال ومناهضة الطائفية والتصدي لإيران، وعار على المالكي الذي قتل خيرة شبابهم في الفلوجة والأنبار وديالى والحويجة وتكريت والموصل والأعظمية وكرخ بغداد، أن يصفهم بأهل المنصات، تهكما واستخفافا، لأن التاريخ شاهد على سلمية حراكهم، الذي لم يرفع سلاحا ولم يخرّب مؤسسة ولم يهدم منشأة عامة، وحافظ على النظام ولم يتجاوز القانون، وامتثل للدستور الذي كفل حق التظاهر وحرية الرأي (كما يتشدقون).
وشرف لمن اعتلى منصات العز وخطب عليها، أو شارك في الاعتصامات المجيدة التي ستعود قريبا، أقوى من السابق، معززة هذه المرة بحملة عمل وبناء ونهوض، يساهم فيها المقاومون والمعارضون وأهل المروءة والثابتون على المبادئ، يجلدون خلالها المنافقين والعملاء والخونة.
السنة العرب لن يغفروا، لمن سرق أجهزة التبريد في ناحية تل عبطة عندما كان مديرا لها، وأصبح الآن مخلبا للحشد الشيعي يؤلب على حرس نينوى، ولن يصفحوا عن زميله ضابط الشرطة السابق في القيارة، المرتشي من الفقراء المراجعين لدائرته، وصار اليوم بوقا لحزب الدعوة، ولن يسمحوا للشيوخ المتقلبين أن يطأوا بأقدامهم المدن التي خانوا أهلها وتآمروا على حراكها السلمي، وعلى سنة المالكي أن يفتشوا منذ الآن عن مكان يأويهم وملاذ يحميهم، لأنهم لن يجدوا شبرا واحدا يقبل بهم، في أي منطقة سنية قد يغامرون في الذهاب إليها مستقبلا، هذا هو العقاب الإلهي والحساب الشعبي، يستحقونه بامتياز (وخلي المالكي ينفعهم).