نحو تعزيز ثقافة ( وقولوا للناس حسنا )
د . ريان توفيق
ما زال البون شاسعا بين سقف الخُلُق العالي والراقي في منظومتنا القيمية التي حفل بهما القرآن الكريم والسنة النبوية، وبين الواقع العملي، وإن قلنا إن الشقة باتساع لم نجانب الحقيقة .. فكثيرا ما تجد قطاعات واسعة من المجتمع لا تحسن فن جبر خوطر الناس، بل لا تمتلك الحد المقبول من لياقة حسن الكلام، فترى كلامهم ينطوي على عبارات هي أشد من وقع السهام.
ترى أي التعبيرين أكثر مقبولية أن يقول الموظف للمراجع: انتظر خارج الغرفة وبنبرة شديدة، وبين أن يقول له متلطفا لو تكرمت تفضل إلى الغرفة الأخرى؟! وأي الأسلوبين أمثل أن يقول المدرس لطالبه مقرعا إياه: أنت لا تفهم وأنت في عداد الراسبين، وبين أن يقول له: أي بُنَيَّ أريد أن أفخر بتفوقك؟! وأي النمطين أرقى أن يعرض الطبيب عن مريضه ويسلمه لآلامه، أم أن يداوي انكساره بابتسامة وكلمة طيبة، وأي الطريقين خير: أن يزمجر المخطيء في الطريق وتأخذه العزة بالإثم، أم أن يبادر بالاعتذار ليمتص غضب المقابل؟! إلى ما لا حصر له من الأمثلة والحالات التي تعكس ضمور الجانب القيمي على صعيد التعاملات اليومية.
لقد صاغ البيان القرآني قيمة الكلام الحسن على صورة قاعدة آمرة فقال المولى: ((وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا )) إننا بحاجة إلى تفعيل الكلمة الطيبة على صعيد الأسرة والمؤسسة والمجتمع، وهذه المسألة تبدأ فردية لتنمو وتتسع مدياتها فتغدو بعد حين ثقافة عامة، أما أن ندعي أن سوق الكلام أو لغة المجتمع ونمطه يفرض علينا هذه الأشكال من السلوكيات والتعبيرات فإن هذا نوع من التبرير والرضوخ للواقع.
وما أرقى ما عرضه النبي صلى الله عليه وسلم للتخلص من ضغط هذا التصور فقال: ((لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً ، تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا )) .. رواه الترمذي وقال حسن غريب
ولنعلم أن إماطة الأذى عن مشاعر العباد لا يقل أهمية عن إماطة الأذى عن طرقاتهم، وأن جراحات السنان قد تلتئم في حين أن جراحات اللسان تبقى نازفة ألما وحسرة مدى العمر، وأن جبر الخواطر هو الخلق المنسي في سلوكياتنا