مصير العراق في خطر
استئصال مخالب ايران من المنطقة
أ.د. سيّار الجميل
دعوني أقدّم خلاصة مركّزة عن ندوة أكاديمية لهيئة دراسات المستقبل بعنوان ” مصير الشرق الاوسط ” انعقدت في مدرسة القانون بهارفرد قبل اسبوعين ، وكنت ضيفا مشاركاً فيها ، وقد عالجت احدى الورقتين الموثقتين مصير العراق الذي سيحدّد دوره في اطار سيناريو الحرب المفترض حدوثها او المتوقع التسويف في اندلاعها بين الامريكان ضد ايران وحلفائها في الشرق الاوسط لكنني لم أجد أيّة اجابة واضحة على سؤال حول دور العراق في الأزمة ، ولكن الاشمئزاز وصل الى ذروته بعبث سياسة ايران في العراق من خلال عملائها وميليشياتها كأدوات لها ، اذ تسيطر ايران سيطرة شبه محكمة على العراق فضلا عن سيطرتها على اجزاء واسعة من سوريا .واذا كانت ايران تنافس الروس في سوريا ، فهي تنافس الامريكان على مصالحهم في العراق. وتشبه العلاقة الان وكأنها لعبة قط وفار ، وسواء اندلعت الحرب ام لم تندلع ، فان تسويف ايران لا ينفع الا الاذعان للشروط الاميركية ، وحتى ان اذعنت، فسوف لن تبقى مخالبها مغروسة في دول المشرق العربي. ان استراتيجية ايران منذ العام 1979 تقوم على غرس مخالبها في الشرق الاوسط ، بمعنى ان اذعانها للشروط الاميركية سيكلفها انكسار ظل ولي الفقيه فيها ويتجرّع السم ثانية ويفتقد شرعيته، وهذا امر جلل بالنسبة للنظام الايراني فان خضع خامنئي للارادة الاميركية فسوف تزحف القوى المضادة والمعارضة في الداخل لتأكله أكلا .
العراق ساحة حرب بالنيابة
انهم يرون ان استفحال ايران وعبثها في الشرق الاوسط يمثل على المدى الطويل ضررا للمصالح الدولية عموما ، فينبغي ايقافها عند حدودها ، خصوصا وان العراق قد غدا ضحية متهتكة المعالم ولحقت به سوريا ، ولولا العراق لما نجحت ايران في سوريا ، وان هيمنة ايران جعل كل من حكومتي العراق وسوريا تبدوان امام العالم كدميتين بايدي الايرانيين ، وان الحاكم المطلق لكليهما هو قاسم سليماني. وعليه، فان حكومة العراق ليس بمقدورها ايقاف ما تريده مليشيات ايران على ارض العراق ،كما ولم تستطع ايقاف حتى التصريحات النارية المضادة للاميركيين من قبل قادة مليشيا مندفعين من ايران ، وهذا سيجعل العراق ساحة حرب لا محالة. لقد وجدت بان الخطورة تعتمد على مستوى التهديد الذي سيواجهه العراق قبل إيران.
عاملان أساسيان يجب مراعاتهما قبل تلاشيهما: مرجعية السيد السيستاني العراقية والتي تعكس إرادة أغلب الشيعة العراقيين والتي لم تعد تنفع ابدا امام شراسة الايرانيين في العراق علما بأن هناك من يرى عكس ذلك ، وايضا الحكومة العراقية الفاشلة التي كانت ولم تزل وستبقى ضائعة وعاجزة عن اتخاذ أيّ قرار يخصّ مصير العراق . فان كانت مرجعية الشيعة في العراق قد وقفت مع الأمريكان عام 2003 ضدّ حكم صدام حسين ، فهل يمكنها الوقوف معهم ضدّ حكم ولاية الفقيه في ايران ؟ هذا محال !
وعلى الرغم من تمسك مرجعية شيعة العراق قائلة بـأنّ “مصالح العراق يجب أن تأتي أولاً وقبل أيّ مصالح أخرى، وأن العراق يجب ألّا يكون جزءًا من الصراع الإيراني الأمريكي لأنّ هذا الصراع لا يستند الى أيديولوجية معينة “؛ وان الولايات المتحدة لا تهدف إلحاق الهزيمة بالشيعة في الشرق الأوسط أو مهاجمة عتباتهم المقدسة لاعتبارات شتى . وثمّة رأي آخر يجيب بأنّ المشكلة تكمن في سياسات ايران التي زرعت كلّ الشرق الأوسط بالألغام من خلال قواها الشيعية السياسية المليشياوية المسلحة التابعة لها والمنضوية تحت مظلتها والمنفذّة لأوامرها حرفيا ، ويجيب آخر معتقداً أنّ الصراع الإيراني الأمريكي قائم على معركة النفوذ في العراق وسوريا ولبنان أصلاً، ومن ثمّ تغلغلها في بيئات أخرى، ناهيكم عن مسألة أسواق النفط. وبالتالي، لا ينبغي للعراق أن يقف إلى جانب هذا النوع من الصراع ، ولكن لا ينبغي له من طرف آخر، أن يلتزم بأي إملاءات أمريكية ، وهنا – يتابع – يتأكد المرء بأنّ غالبية الشيعة العراقيين يدافعون عن ايران وسياساتها او يلتزمون الصمت خوفا من زوال حكم الشيعة للعراق
اسماك القرش الايراني خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الايراني حسن روحاني إلى النجف في شهر آذار / مارس 2019 ، لكن ما أعلن اعلامياً لا ينفي ما دار خفية مع السيد السيستاني الذي لا يريد أن يرى العراق يشارك في مزيد من الحروب على أراضيه – كما اعلن – ، ولكن ثمة لغة أخرى استخدمت داخل الاجتماع .. وبالرغم من أنّ الحكومة العراقية تعلن نفس المسار على استحياء، ولكنها لا تقوى أبداً على تحجيم تدّخل القوى السياسية والمليشيات الايرانية والاحزاب الشيعية في الازمة القائمة، فهم اكبر منها .. وان رئيس الوزراء نفسه سيكون ألعوبة بأيديها ، ففي العراق قوى دولة عميقة تتسلّم أوامرها من ايران نفسها مباشرة ! وأن نفوذه سياسياً أضعف من نفوذ المرجعية روحانياً، ولكنه يخشى أسماك القرش المسلحة المؤيدة لايران وحفلاتها في كلّ مكان من العراق ، خصوصاً وانه يهدّد دوماً بدواعشٍ جدد ! فيزداد ضعفه وخوره . وعليه ، فان البدايات ستكون متمثلة بالقضاء على زعانف ايران في العراق ، وتقويض هيمنتهم وجنونهم فيه وعبثهم الدموي في المناطق المدمرة، وما فعلوه بأهلها . بالرغم من ادماج رئيس الوزارة للحشد الشعبي مع الجيش، وتلك عملية خاطئة تماماً ، فانّ عدة جماعات وعصابات متنوعة تسرح وتمرح في البلاد ، وهي ليست جزءًا من حشدٍ شعبي ، وهذا خطأ شائع تكرره وسائل الإعلام دوماً . أن الحشد الشعبي (PMU) يقوده رجل إيراني صرف (هو الثاني في القيادة) وأسمه أبو مهدي المهندس، ورغم اطاعته الأوامر ، لكنه يتحّرك وفقاً للمشيئة الايرانية اذ يستمد سلطته من الجنرال قاسم سليماني مباشرة .. وينتشر شركاء إيران في العراق مثل “عصائب اهل الحق”، و”كتائب سيد الشهداء” ، و”حركة النجباء ” ، و”كتائب إمام علي” ، و”حزب الله العراق” وغيرهم من الذين شاركوا في فصائل الحشد الشعبي ، ولكن قطعوا علاقتهم بها بمجرّد انتهاء الحرب ضدّ داعش .