قبل أن نحاسب إيران ميدل ايست أونلاين: فاروق يوسف رصد عراقيون
مساءلة العرب لأنفسهم ينبغي أن تحتل موقعا متقدما على رغبتهم في محاسبة إيران.
عبر أكثر من ثلاثة عقود لم تكن إيران دولة صديقة للعرب. يمكن تفهم ذلك الموقف من خلال التعرف على طبيعة النظام العقائدي الحاكم هناك. وهو نظام لا يعترف في ما يخص العرب بحقهم في أن يكون لهم دول مستقلة ذات سيادة بما ينسجم مع القوانين الدولية.
لقد ابتليت إيران بولاية الفقيه، وهو المرجع الذي يحق له الوصاية على مصائر المسلمين، بالأخص منهم أتباع المذهب الشيعي. وهو ما يعني مصادرة حرية الآخرين من غير الإيرانيين في أن يقفوا كما هو حالهم في الواقع خارج تلك الوصاية. ولأن وصاية الولي الفقيه لا تعترف بالجغرافيا ولا بالسياسة ولا بالخصوصية الثقافية فإن التعامل معها على أساس قانوني لا يمكن ان يكون مثمرا إلا إذا استند إلى القوة.
تلك المعادلة الواضحة التي لا تحتاج إلى خبرات سياسية استثنائية لم يضعها العرب في موقعها المناسب وهم يواجهون التحدي الإيراني كما لو أن ذلك التحدي كان حدثا مفاجئا. وهو ما لا يمكن تفهم أسبابه.
فإذا ما كان النظام الإيراني قد أفسد كل الأمنيات العربية في قيام علاقة سوية قائمة على مبادئ حسن الجوار مع إيران فإن التصرف كما لو أن تلك الأمنيات لا تزال تملك قدرا من الحظ الحسن يكشف عما يمكن اعتباره نوعا من عدم الشعور بالخطر نتيجة سوء التقدير وانخفاض مستوى الخبرة.
لقد نجح الإيرانيون في مشروعهم التوسعي التدميري بسبب غياب المشروع العربي فكان التمدد الذي هو العنوان المعلن للمشروع الإيراني قد انجز حلقاته أمام أنظار العرب من غير أن يهتدوا إلى الاستراتيجية الكفيلة بإيقافه. وهو ما يكشف عن فشلهم في العودة إلى القواسم المشتركة التي تضع ما يفرق بينهم وراء ظهورهم ويقدم المصلحة التي تجمعهم في مواجهة تحدٍ مصيري لم يكن ليُخفى على أحد منهم.
من المؤكد أن لغة اللوم ليست هي اللغة المناسبة التي يمكن أن يخاطب العرب إيران من خلالها، غير انها بالتأكيد اللغة المناسبة التي يجب أن يخاطب بها العرب أنفسهم.
وهو ما يعني أن مساءلة العرب لأنفسهم ينبغي أن تحتل موقعا متقدما على رغبتهم في محاسبة إيران إن كانوا قد وصلوا مضطرين إلى قناعة مشتركة في تحمل المسؤولية.
وقد تبدو ردود الأفعال العربية غامضة بعض الأحيان وذلك بسبب تردد البعض منهم في مساءلة الذات قبل الشروع في فهم تفاصيل وعناصر الخطر الإيراني الذي صار ماثلا من خلال انفجار الغامه المحلية. حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن والميليشيات الطائفية في العراق التي تم تجميعها في اطار عقائدي هو الحشد الشعبي.
من موقع اليأس يبدو كل رد فعل متأخرا غير ان السياسة تقول شيئا آخر. شيئا لا بد أن يدعو إلى الأمل بالرغم من كل ما يخالطه من رغبات هي عبارة عن أمنيات لن تجد طريقها إلى التنفيذ الواقعي.
فالعلاقة بين العرب وإيران هي اليوم في الحضيض.
ذلك لأن التناقض صار مصيريا. فحين تستمر الهيمنة الإيرانية على أجزاء عزيزة من الألم العربي فإن التفكير في قيام مشروع نهضوي عربي موحد في ظل تلك الهيمنة يبدو ضربا من الخيال.
هناك اليوم قوى عربية وضعت كل قدراتها في خدمة المشروع الإيراني في محاولة منها للدفاع عن يأسها في حين تكمن الحقيقة في ذلك الاصطفاف الطائفي المريض الذي يرى في الوعي القومي عدوا له.
ولأن الطائفية عمياء فإن المصطفين وراء إيران لا يرغبون في رؤية حقيقة المشروع الإيراني الذي يتم من خلاله استعمال الانحيازات الطائفية لأغراض قومية هي جزء من أسرار الشخصية الإيرانية الغامضة والمريبة.
وكما أرى فإن على العرب قبل أن يضعوا إيران على ميزان الحساب أن يصلوا إلى تصفيات معقولة لمجمل أفكارهم وأفعالهم. ما فعلوه وما ترددوا في القيام به لكي يتمكنوا من تنظيف البيت العربي من الحشرات الضارة ومن ثم مواجهة الوحش الإيراني.