واشنطن بوست تتحدث عن تفاصيل “اللحظة الحاسمة” لتسليم كركوك
ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، ان الاستفتاء الذي دعا رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، لإجرائه رغم الاعتراضات العراقية والإقليمية، انقلب إلى نتائج عكسية على نحوٍ مذهل، وأدى إلى “انقلاب مهين” في مصير كرد العراق، حسب تعبيرها، كما تطرقت إلى كواليس “اللحظة الحاسمة” لتسليم كركوك عبر صفقة شاركت فيها إيران.
وقالت الصحيفة في تقرير لها، نشر أمس الجمعة ( 20 تشرين الأول 2017) إن “التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقة كردستان العراق، بخرت أحلام الكرد ومحت من رؤوسهم مشهد رئيسهم الذي ظهر بخطبة انتصارٍ على أحد الجبال، بعد أن سيطرت قواته على مدينة كركوك من أيدي داعش عام 2014، حيث تعهد حينها بأن العلم الكردي سيكون هو العلم الوحيد الذي يرفرف هنا”.
وأضافت أن مدينة كركوك وحقولها النفطية عادت الآن إلى قبضة الحكومة الاتحادية، بينما اندلعت الاشتباكات حينما حاولت القوات العراقية مَد سيطرتها إلى مناطق قرب أربيل، حيث ألقى حزب بارزاني باللائمة في فقدان المدينة الاستراتيجية على صفقة عقدها جناح من حزب الاتحاد الوطني، من أجل السماح للقوات العراقية بالدخول.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن محمود عثمان، أحد السياسيين الكرد المخضرمين، قوله إنه “قام بتحذير بارزاني في اجتماع بعد تحديد تاريخ عقد الاستفتاء، من أنَّ الشعب سيتعرض للإحباط لأنه لا سبيل للاستقلال وسط هذه الاعتراضات الإقليمية”.
وأضاف عثمان “كان بارزاني حاسماً في أن الاستفتاء ينبغي، ويمكن، أن يعقَد، وأنّ وضعاً جيداً وجديداً سينجم عنه، وأنَّهم (المعارِضون) سيتعايشون مع الأمر، ربما كان يظن أنَّ موقف أميركا سيكون مختلفاً، وربما ظنّ أنَّ إيران وتركيا لن تكونا بهذا القدر من السوء، أو ربما حصل على تقارير مختلفة من مستشاريه، لقد كان تقييمه للأمر مختلفاً”.
وتابع عثمان أنّ “السبب الذي من أجله كان بارزاني حريصاً كل هذا الحرص على عقد الاستفتاء دون تمهيد الطريق له ليس مفهوماً”، ولفت أن بارزاني اعتقد أن التصويت سيضيف إلى القوة التفاوضية لكردستان مع بغداد ومع المنطقة عموماً، لكن العكس صحيح.
كما نقلت الصحيفة عن سياسي كردي آخر لا ينتمي لأي من الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، والذي لم يرغب في نشر اسمه، قوله “كانت هذه آخر محاولة يائسة من قبل الزعيم الكردي لاستعادة الشرعية، عبر اللعب بورقة الاستقلال”.
وأفاد مسؤولون من حزب بارزاني بأن تحرك بغداد كان حتمياً ومسألة وقت فقط، بسبب تعرُض رئيس الوزراء حيدر العبادي، لضغوط من أجل كبح جماح التوسع الكردي حتى قبل إجراء الاستفتاء.
وفيما يتعلق بالمبادرة الأميركية، أشارت الصحيفة إلى ان إدارة ترمب حاولت منح القيادة الكردية سبيلا لتأجيل الاستفتاء، فقال أحد المسؤولين الأميركيين إنَّه في مقابل ذلك كان الكرد سيتلقون خطابات من الولايات المتحدة وبريطانيا، تعد بتسهيل ودعم تفاوض أربيل مع بغداد، وقد جاء في العرض الأميركي أن واشنطن ستعترف بالحاجة إلى إجراء استفتاء إن لم تتقدم المفاوضات مع بغداد في ظرف عامين.
وأكد المتحدث باسم الاتحاد الوطني، سعدي بيره، ان أعضاء من حزبه أخبروا بارزاني، بعدما لمسوا مستوى المعارضة للاستفتاء في بغداد، أنهم يدعمون المبادرة الأميركية، ولو أنّ بعضهم كان يرغب في صياغة أقوى للخطاب، مبينا ان بارزاني رد بانه سيجري الاستفتاء في مناطق سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني على أي حال، إن لم يدعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني خطوة الاستفتاء، مبينا أنَّ هذا الأمر كان من شأنه أن يسبب صدعاً لا يمكن تبريره في الإقليم.
من جانبه أوضح هيمن هورامي، أحد مستشاري رئيس إقليم كردستان، ان المبادرة الأميركية كانت جوفاء، وأردف “كانوا يعدون بأشياء لا يمكنهم تطبيقها، لأنَّه كانت ستكون هناك معارضة في بغداد، ما الحكمة في ذلك؟ لقد رأينا تلك اللعبة مراتٍ عديدة من قبل”.
أما بالنسبة للصفقة بشأن انسحاب البيشمركة من كركوك، كشفت الصحيفة الأميركية عن لقاء عاجل عقد في بلدة دوكان المطلة على بحيرة دوكان، جمع كلا من الرئيس العراقي فؤاد معصوم، الذي ينتمي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وبارزاني، عرض فيه صفقةً من شأنها السماح للقوات العراقية بدخول كركوك.
وبحسب أحد الحضور، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، حتى يتحدَّث عن هذا اللقاء، فإن بارزاني غادر اللقاء غاضباً، وقد قال الحزبان في مؤتمر صحفي مشترك بعد الاجتماع، إنهما متحدان، ولن يتفاوضا من جانب واحد، لكنَّ الصفقة كانت قد عقدت بالفعل، وفقاً للصحيفة.
وقال ملا بختيار، وهو أحد مسؤولي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إنَّ اتفاق دخول القوات قد مرّر إلى بغداد عبر “وسيط” رفض تسميته، قائلاً إنَّه قد حاز موافقة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما ينفيه الحزب بشدة، وأشار سعدي بيره، إلى ان الكثيرين من قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لم يعرفوا حتى بتلك الصفقة.
وتابع بيره ان بعض أعضاء حزبه، ممن يطلق عليهم اسم “أصدقاء كركوك” ويقودهم ابن الرئيس السابق جلال طالباني وأرملته، قد عقدوا الصفقة بشكلٍ سري، واستغلوا فرصة عقد مراسم عزاء لطالباني في بغداد، كي يتناقشوا حول الصفقة مع مسؤولين في العاصمة، كما حضر قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، مراسم عزاء طالباني في مدينة السليمانية والتقى بالأسرة، بينما استمرت المفاوضات السرية.
وقال بيرة إن الصفقة تسمح بالإدارة المشتركة لكركوك وبقاء قوة من البيشمركة قوامها 700 جندي في المحافظة، إلى جانب قوات الشرطة العراقية المحلية وقوات الأمن الكردية، ومع ذلك، تقضي الصفقة بتسليم الكرد حقول النفط، والقواعد العسكرية والقاعدة الجوية، وقواعد الجيش.
وقد أكد أحد المسؤولين العراقيين، وهو على اطلاعٍ بالمفاوضات، بند الاتفاق على الإدارة المشتركة في مقابل التسليم، لكنَّه لم يؤكد بند السماح ببقاء البيشمركة، وأضاف ان المجموعة المفاوِضة تقدَّمت بمطالب أخرى، بما فيها رواتب لقوات البيشمركة المختارة، وإعادة فتح رحلات الطيران الدولية إلى السليمانية، لكن بغداد رفضت هذه الشروط.
وختمت الصحيفة تقريرها نقلا عن أحد مقاتلي البيشمركة قوله “لقد خنا كركوك، لقد خنا كردستان”.