الاستفتاء المرتقب؟ المونيتور: حسن الشنون / رصد عراقيون
تمتلك حكومة بغداد خيارات قانونية واقتصادية وعسكرية عدة لمنع اقليم كردستان من إجراء الاستفتاء الذي تعارضه جميع القوى الاقليمية والعالمية.
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، الاثنين أمرا بإيقاف الاستفتاء المرتقب حول استقلال إقليم كردستان في 25 أيلول/سبتمبر الحالي.
تصويت مجلس النوّاب على رفض استفتاء إقليم كردستان بغالبيّة مطلقة خلال جلسة الثلاثاء في 12 أيلول/سبتمبر من عام 2017، ألزم رئيس الوزراء حيدر العبادي اتّخاذ كلّ التدابير التي تحفظ وحدة العراق والبدء بحوار جادّ لمعالجة المسائل العالقة، كما جاء في نصّ القرار.
وفي الوقت الذي وصف فيه النائب عن ائتلاف دولة القانون ناظم الساعدي الاستفتاء المزمع تنظيمه في كردستان بأنّه مخالف للدستور ومبادئ العمليّة السياسيّة التي شارك فيها الكرد بشكل أساسيّ، قال: “إنّ الاستفتاء باطل من الناحية القانونيّة، وهو ما يجعل الحكومة أمام مسؤوليّة منعه عبر استخدام الوسائل والصلاحيّات كافّة”.
وأشار في حديث لـ”المونيتور” إلى أنّ “تمرّد الكرد بهذه الطريقة يمثّل تهديداً صارخاً للأمن السلميّ والاستقرار السياسيّ في البلاد”، معتبراً أنّ “حكومة بغداد تملك أوراقاً متعدّدة للضغط على كردستان ومنع الاستفتاء”.
ولم يستبعد “لجوء الحكومة إلى سحب المشاريع الخدميّة الممنوحة للشركات الكرديّة في وسط العراق وجنوبه وجعلها تحت طائلة خسائر ماديّة فادحة. كما يمكنها ممارسة نوع من التضييق على محافظة كركوك التي تعدّ بوّابة الإقليم، وقطع رواتب القوّات الأمنيّة والموظّفين فيها، وذلك كلّه يأتي بهدف إحراج بارزاني وكلّ الذين يقفون إلى جانبه ويدعمون مشاريعه”.
وتأتي تلك الخيارات، في وقت تسعى فيه بغداد إلى حلّ حكومة كركوك المحليّة، على خلفيّة قراراتها الأخيرة بإجراء الاستفتاء في المحافظة، إذ قال النائب التركمانيّ عن كركوك نيازي معمار أوغلو في بيان صحافيّ بـ15 أيلول/سبتمبر من عام 2017: “تمّ البدء بجمع تواقيع من النوّاب لحلّ مجلس محافظة كركوك، وإعلان حالة الطوارئ فيها وتعيين قائد عسكريّ يحكمها، في حال استمرّ الإصرار على شمولها بالاستفتاء”.
وفي الوقت الذي لا يرى فيه النائب البرلمانيّ جدوى ممّا يسمّيه ترحيل النوّاب والوزراء والوكلاء العامّين والمديرين العامّين الكرد من بغداد، أوضح أنّ “الحكومة بدأت تجني ثمار الرفض الدوليّ للاستفتاء، وهو ما يرجّح طلب حكومة بغداد من هذه الدول قطع علاقاتها وإيقاف دعمها لكردستان على المستويين العسكريّ والاقتصاديّ”.
ويأتي ذلك، في ظلّ استمرار رفض تركيا، وهي الجار الأقرب إلى كردستان، التي اتّفق رئيس وزرائها بن علي يلدريم خلال اتصال هاتفيّ أجراه مع رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي على العمل سويّاً لدفع إقليم كردستان إلى التراجع عن الاستفتاء المزمع إجراؤه في 25 أيلول/سبتمبر الحاليّ، فيما اعتبر بن علي يلدريم أنّ قرار الاستفتاء هو “خطوة خاطئة”.
وليس الجار التركيّ وحده من يرى أنّ الاستفتاء المرتقب يمثّل تهديداً للأمن القوميّ في العراق، بل الموقف ذاته تراه إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة التي أعربت في 15 أيلول/سبتمبر من عام 2017 عن عدم تأييدها لاعتزام حكومة إقليم كردستان العراق إجراء الاستفتاء، وفق بيان صادر عن البيت الأبيض.
وفي هذا الصدد، رأى رئيس كتلة “تيّار الحكمة” البرلمانيّة حبيب الطرفي أنّ التهديد الكرديّ يمثّل سابقة تجاوزت كلّ المعاير الدوليّة، ويأتي في ظروف حرجة تمرّ بها البلاد، وقال في حديث لـ”المونيتور”: “إنّ مجرّد الحديث عن تقرير المصير ومفردات الاستقلال المزعوم جريمة يجب أن يحاسب عليها الزعماء الكرد”.
وأعرب عن “تعجبّه من مكوّن يطالب بالاستقلال ويمثله رئيس جمهوريّة العراق ونائب رئيس البرلمان وعدد من الوزراء، فأين نحن من التهميش الذي يتحدّثون عنه”، مشيراً إلى أهميّة “تفعيل كلّ وسائل التفاوض والتواصل لإعادة اللحمة الوطنيّة إلى أبناء الشعب الواحد”.
إنّ إغلاق المنافذ الحدوديّة بالاتفاق مع تركيا وإيران وسرعة تحرير قضاء الحويجة وفرض الوجود في كركوك، فضلاً عن قطع الرواتب عن كركوك وإيقاف صرف أموال الفلاّحين الكرد، إجراءات حكوميّة يمكن اللجوء إليها، كما أشارت النائبة التركمانيّة نهلة الهبابي، التي قالت أيضاً لـ”المونيتور”: “إنّ الحديث عن الاستقلال هو مجرّد زوبعة تصريحات لا أكثر”.
أضافت: “إنّ دولاً خارجيّة ستتكفّل بالردّ على بارزاني وعائلته والمؤيّدين له. وعندها، سيتحمّلون نتائج ما يدعون إليه”.
وفي موازاة ذلك، أبدى حيدر العبادي السبت في 16 أيلول/سبتمبر من عام 2017 استعداد بغداد للتدخّل عسكريّاً إذا أدّى استفتاء إقليم كردستان إلى العنف. ويأتي هذا التصعيد، بعد موجة من التصريحات الاستفزازيّة التي أطلقها رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني (المنتهية ولايته منذ آب/أغسطس من عام 2015)، إذ قال في حوار أجرته معه “بي بي سي”: “إذا سعت أيّ جماعة إلى تغيير الواقع في كركوك باستخدام القوّة، فعليها أن تتوقع أن كلّ كرديّ سيكون جاهزاً للقتال للحيلولة دون ذلك”.
وإزاء كلّ الخيارات المطروحة أمام الحكومة العراقيّة للردّ على دعوات الاستفتاء، وصف النائب الكرديّ أردلان نور الدين قرار مجلس النوّاب العراقيّ بغير المنصف وغير العادل، وقال: “إنّ القادة الكرد سيطعنون بالقرار لدى المحكمة الاتحاديّة، وسيرفضون أيّ محاولة لسلب إرادة الشعب الكرديّ”.
أضاف في تصريح هاتفيّ لـ”المونيتور”: “إنّ قرار البرلمان العراقيّ جاء نتيجة ضغوط داخليّة وخارجيّة، وهو قرار يصبّ في نهر الأزمة، وليس حلّها. وندعو المجلس إلى العودة لجادّة الصواب والاحتكام إلى القانون والدستور”.
وتابع: “إنّ مجلس النوّاب أصبح مجلساً للعرب، وليس للكرد حصّة فيه، وقرار الانفصال هو قرار الشعب، وسوف لن نتخلّى عنه، واعتصامنا داخل مجلس النوّاب مستمرّ إلى حين تحقيق مطالبنا”.
وعن المشروع البديل عن الاستفتاء، الذي قدّمه ممثل الولايات المتّحدة وبريطانيا والأمم المتّحدة إلى البارزاني، قال أردلان نور الدين: “إنّ البديل طلب تأجيل الاستفتاء، مقابل بدء حوار جديّ وشفّاف بضمانة دوليّة مع بغداد، يفضي إلى منح الكرد استحقاقات جديدة تؤمّن لهم شراكة كاملة وتحسم كلّ القضايا العالقة”.
الحال، إنّ استفتاء انفصال كردستان سيتسبّب بظهور مخاطر سياسيّة واقتصاديّة وتهديدات أمنيّة لا يمكن التنبّؤ بها، الأمر الذي سيدفع ببارزاني إلى إعلان تأجيل الاستفتاء قبل موعد إجرائه بأيّام قليلة لضمان الحصول على استحقاقات الكرد في بغداد.
وجد في :جهود لإقامة دولة كردية
حسن الشنون صحافي عراقي عمل في العديد من وسائل الاعلام المحلية والعربية وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في كلية الاعلام جامعة بغداد
#وكالة_انباء_عراقيون