استفتاء الانفصال الكردي وردود فعل تركيا بقلم: اوكتاي يلماز / رصد عراقيون
رغم كل التحذيرات العراقية والإقليمية والدولية، تبدو إدارة إقليم كردستان العراق مصرّة على تنظيم استفتاء الانفصال من جانب واحد في الخامس والعشرين من الشهر الحالي. من الواضح أن رئيس الإقليم مسعود برزاني يحلم أن يكون أبا الاستقلال الكردي، ويرى الظروف سانحة لتحقيق حلمه.
ولكن قرار الإقليم حول تنظيم استفتاء على الانفصال يخالف الدستور العراقي والقانون الدولي، ويهدد استقرار المنطقة بإثارة مزيد من الفوضى والمشاكل.
فالدستور العراقي ينص على أن العراق دولة فيدرالية موحدة، لذلك قرر البرلمان العراقي إلغاء قرار إدارة الإقليم المتعلق بالاستفتاء، وكلف الحكومة العراقية باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية وحدة البلاد، كما أمرت المحكمة العراقية العليا إدارة الإقليم بإلغائه.
قرار أكراد الإقليم الأحادي الجانب، يخالف أيضاً القانون الدولي، لأن سيادة الدول هي الأساس الذي تبنى عليه القوانين الدولية، أما مبدأ تقرير مصير الشعوب فلا يلغي هذا الأساس، ويجب فهمه في إطار المبدأ الأساسي، ولو خُصص لكل شعب دولة مستقلة، لقُسِّمت معظم دول العالم ووُجِدت مئات الدويلات.
إذا كان قرار الاستفتاء الانفصالي خطأ كبيراً، فضم المناطق المتنازع عليها، ومناطق التركمان إلى هذا الاستفتاء خطأ أكبر، ويفتح الباب واسعاً أمام صراعات قومية وإقليمية، على سبيل المثال تركمان العراق -وهم المكون الثالث الأساسي للدولة العراقية- يرفضون ضم مناطقهم إلى الإقليم الكردي، وهم يريدون أن يعيشوا في العراق الموحد الديمقراطي الذي تتمتع جميع مكوناته العرقية فيه بجميع حقوقها.
الدولة الوحيدة التي تدعم الانفصال الكردي علناً هي إسرائيل بالطبع، هناك علاقات قوية بين الطرفين بدأت بشكل سري في الستينيّات، ثم تحولت إلى العلن. لا يخفى أن تقسيم دول المنطقة مخطط إسرائيلي أمريكي استعماري، والدولة الكردية المستقلة ستكون حليفة إسرائيل والولايات المتحدة بكل تأكيد. واشنطن وإن كانت تعترض على موعد الاستفتاء الانفصالي، إلا أنها أعطت الضوء الأخضر لإدارة الإقليم للمضي بهذا الاتجاه. ستكون كردستان المستقلة عن العراق قاعدة عمليات إسرائيلية أمريكية في المنطقة.
كما أن للدول الكبيرة ولشركات الطاقة العالمية طمعاً في مصادر الطاقة في المنطقة، هذه الجهات تدعم من وراء الكواليس النزعات الانفصالية.
موقف تركيا
طبعاً تركيا معنية بهذه التطورات جداً، حيث تربطها مع العراق روابط متجذرة ، كما أن كل ما يحدث في العراق أو سوريا ينعكس مباشرة على تركيا إيجاباً أو سلباً، ما زالت البلاد تعيش تداعيات أزمتي العراق وسوريا وتستضيف على أراضيها ملايين اللاجئين من هذين البلدين.
ولاية الموصل التي تشمل جميع مدن شمال العراق جزء من الميثاق الوطني التركي لم تتنازل عنها الجمهورية التركية إلا للعراق الموحد، كما أن أنقرة معنية بحماية حقوق التركمان فيها.
وإن إقامة كيان انفصالي في المنطقة سيعزز النزاعات والتوجهات الانفصالية لدى الأكراد الآخرين في دول الجوار، خاصة أن هناك تنظيم العمال الكردستاني الإرهابي الذي ينشط لهذا الغرض، وقد استفاد من وضع سوريا المتأزم ليفرض سيطرته على أجزاء كبيرة من هذا البلد.
أنقرة ترى أن هذا الاستفتاء الانفصالي تهديد مباشر لأمنها القومي، لذلك تعارضه وترفضه بشدة، وقد زار مسؤولون أتراك المنطقة وشرحوا موقف بلادهم للمسؤولين العراقيين والأكراد بكل صراحة، كما أن هناك تواصلاً وتشاوراً مع الجانب الإيراني بهذا الخصوص. مواقف أنقرة وطهران وبغداد متوافقة تماماً على رفض هذا الاستفتاء وما يترتب عليه، وعلى الإدارة الكردية أخذ تحذيرات هذه العواصم بجدية.
صحيح هناك علاقات قوية بين تركيا والإقليم الكردي، خاصة في المجالين الأمني والاقتصادي، ففي المجال الأمني هناك وجود عسكري تركي في المنطقة، كما قدم الجيش التركي مساهمات كبيرة في تدريب القوات المحلية وفي مكافحة الإرهاب. أما اقتصادياً فمعظم اقتصاد الإقليم مرتبط بالاقتصاد التركي، إضافة إلى وجود مشاريع اقتصادية مشتركة واستثمارات تركية كبيرة. وأنقرة لا تريد إنهاء هذا التعاون المثمر، بَيد أنه عندما تتعلق المسألة بأمنها القومي، فهي لن تتردد عن التضحية بمصالحها الاقتصادية لحماية أمنها القومي.
يوم الجمعة، الثاني والعشرين من أيلول، سيجتمع مجلس الأمن القومي التركي لمناقشة هذا الاستفتاء وتداعياته المحتملة على أمن البلاد، وسيقدم توصياته إلى الحكومة لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية أمن ومصالح تركيا حيال هذا التطور.
من المتوقع أن تعلن الحكومة التركية حزمة من التدابير السياسية والاقتصادية، مثل سحب القنصل العام من أربيل، وإنهاء التعاون الدبلوماسي بين الجانبين، وتقليص التعاون الاقتصادي، وإنهاء نقل النفط من الإقليم عبر الأراضي التركية، وإيقاف الخطوط الجوية التركية رحلاتها منه وإليه، وقد يتطور الأمر إلى إغلاق الحدود بالكامل، وفرض حظر اقتصادي شامل على الإقليم. وفي حال اتخاذ بغداد وطهران تدابير مشابهة فسينهار اقتصاد الإقليم بسرعة.
على الصعيد العسكري كثف الجيش التركي حشوده على الحدود التركية العراقية، وأطلق مناورة عسكرية بالقرب من معبر خابور منذ يوم الاثنين، وستستمر هذه المناورة وتتوسع بمشاركة عناصر أخرى من الجيش لتكون رسالة قوية للإقليم وللعالم أجمع، مفادها أن تركيا لن تسمح بتهديد أمنها القومي.
التعاون الرباعي التركي الإيراني العراقي السوري كفيل بعرقلة مشاريع تقسيم المنطقة التي تقف خلفها قوات استعمارية قديمة وحديثة.
أكراد العراق يتمتعون بجميع حقوقهم، ويمتلكون دولة شبه مستقلة، وطمعهم بالمزيد قد يفقدهم ما هو متوافر لديهم. وما أحداث جمهورية مهاباد ببعيدة لمن يعتبر!
#وكالة_انباء_عراقيون