ديمقراطيّة العراق وتقرير مصير كردستان المدى: عدنان حسين رصد عراقيون
دُعيتُ للمشاركة وإلقاء كلمة في ملتقى حواري عنوانه “الديمقراطية وحقّ تقرير المصير” عُقد في مدينة السليمانية في اليومين الماضيين بحضورنخبة من الأكاديميين والمثقفين العرب (من عدد من البلدان العربية) والكرد، وقد اعتذرت عن عدم الحضور لأسباب خارج الإرادة. هنا الكلمة التي بعثت بها إلى الملتقى:
كما يعرفُ الكثيرُ منكم، لستُ في حاجةٍ للإعلان عن وطنيتي العراقية، ولستُ في حاجةٍ أيضاً للإعلان عن موقفي المؤيد والداعم لحقوق الكرد، بما في ذلك حقُّهم في تقريرِ مصيرهم وإقامةِ دولتهم المستقلة…تاريخي السياسي والمهني يشهدُ لي بهذا. العديدُ من القوى الوطنية العراقية، وأنا واحدٌ من نشطاء إحدى هذه القوى، كرّستْ جانباً رئيساً من نضالها لتحقيق الديمقراطية في العراق والحكم الذاتي ثم الفيدرالية للشعب الكردي. ولم يكن قيامُ إقليم كردستان المتمتّع بالوضع الفيدرالي في معزل عن نضال الحركة الوطنية العراقية التي كانت الحركة التحررية الكردية أحد روافدها الرئيسة.
لا يخامرُني أدنى شكّ في حقّ شعب إقليم كردستان العراق في إجراء الاستفتاء لتأكيد تطلّعه التاريخي إلى إنشاء دولته المستقلة، فحقّ تقرير المصير أصبح من المبادئ الراسخة في السياسة الدولية والقانون الدولي منذ مطلع القرن الماضي .. عدمُ تمكين الكرد من إقامة دولتهم على غرار غيرهم من الأمم وتقسيم كردستان بين دول عدة، هما من أكبر الانتهاكات التي مارستها القوى الاستعمارية لهذا المبدأ في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
لا نقاشَ إذن في حقّ تقرير المصير للكرد. النقاشُ هو فقط في كيف ومتى؟
أظنُّ أنّ الموقفَ المتعنّت الذي اتخذته الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد، وهي مِن قوى الإسلام السياسي، وكذا مواقف دول الجوار وسواها من الاستفتاء، يدلّ دلالة أكيدة على أنّ الأوضاع في العراق والمحيط الإقليمي لم تتهيأ بعدُ للإقرار بحقّ الكرد في تقرير مصيرهم، ناهيكم عن حقّهم في الاستقلال.
لدينا نحن العرب قول مأثور مفادُه: ((صديقُك مَنْ صَدَقَكَ لا مَن صدّقَك)). وبروح الصداقة أقول بصراحة إنّ الطبقة السياسية الكردية تتحمّل قدراً غير قليل من المسؤولية عن عدم تهيئة ظروف العراق للإقرارِ بحقّ تقرير المصير للكرد وللقبول بالاستفتاء المزمع تنظيمه بعد أيام.
لكي تكونَ الظروفُ مُهيّأة، كان لابدّ من قيام نظام ديمقراطي راسخ في العراق.. هذا ما كان يطمحُ الشعب العراقي لتحقيقه بعد إطاحة النظام البعثي الدكتاتوري، لكن بعد 14 سنة من الواضح أنّ النظام في العراق يتقدّم نحو دكتاتورية من نوع آخر لا يقلّ سوءاً عمّا سبق ..إنها دكتاتورية الإسلام السياسي.. الأحزاب الكردستانية جميعاً لا يُمكنها التنصّل من واقع أنّها كانت شريكاً في هذا… هذه الأحزاب ساهمت مع أحزاب الإسلام السياسي في صياغة دستور ناقص كان يتعيّن تعديله وإصلاح عيوبه منذ عشر سنوات.. والأحزاب الكردستانية كانت شريكاً لأحزاب الإسلام السياسي في اعتماد نظام المحاصصة بديلاً عن الدستور. المشكلات العميقة والحادّة التي يعاني منها الآن الشعبُ العراقي، بمختلف قومياته ومناطقه، وبينها المشكلات التي واجهتها حكومة إقليم كردستان مع الحكومة الاتحادية، ترجع في الأساس إلى طبيعة الدستور المُعتمد وإلى نظام المحاصصة المُطبَّق.هذا الدستور وهذا النظام هما ما مكّنا الإسلام السياسي من فرض دكتاتوريّته. الأحزاب الكردستانية كانت شريكاً في هذا، فهي لم تستثمرْ قوّتها ولم تتعاونْ مع القوى والمنظمات الديمقراطية العراقية، لوضع شركائها أمام استحقاق تعديل الدستور وتطبيق مواد كثيرة فيه بقيتْ حبراً على ورق.
شخصياً مع حقّ الكرد في الاستفتاء الآن وقبل الآن ومع استقلالهم،لكنّني بكلّ محبّة أرى أنّ حقَّ الاستقلال ليس بوسع الكرد التمتّع به على النحو المأمول من دون ديمقراطية راسخة في العراق. وحتى لو استطاع الكرد تحقيق هدف الاستقلال فإنهم لن يضمنوا وجودَ جارٍ مسالمٍ عند حدودهم في غياب الديمقراطية في العراق.
أدعو الأصدقاء في حركة التحرُّر الكردستانية إلى تبنّي ستراتيجية جديدة تقوم على فضّ شراكتها مع قوى الإسلام السياسي الحاكمة في بغداد، وتشكيل جبهة سياسية تضمّ كلَّ القوى الوطنية الديمقراطية العراقية والكردستانية الساعية لإقامة نظام ديمقراطي حقيقي.
هذه هي طريق الديمقراطية في العراق، وهذه هي أيضاً الطريق المؤدّية إلى تأمين حق الشعب الكردي في تقرير مصيره.