تفاعل الاقتصاد العالمي مع الأوضاع النفطية عامر ذياب التميمي رصد عراقيون
لا تزال أسعار النفط تتأرجح حول 50 دولاراً للبرميل. لا شك في أن البلدان المنتجة أصيبت بالذهول من هذه الأوضاع على رغم محاولاتها لضبط الإمدادات من خلال سياسات اعتمدت أخيراً لخفض الإنتاج، سواء من قبل دول «أوبك» ودول منتجة رئيسية أخرى مثل روسيا. ماذا حدث في سوق النفط وما هي الأوضاع الاقتصادية في هذا العالم التي تحول دون ارتفاع الأسعار؟
يكاد الكثير من الاقتصاديين المرموقين يعتقدون أن عصر النفط شارف على الأفول. فلن يكون هذا القرن قرناً نفطياً كما كان القرن العشرون، فقد تمكنت التطورات التكنولوجية والبحوث والتطوير في مجال الطاقة من تحقيق اختراقات مهمة. يضاف إلى ذلك أن الآثار الجانبية السلبية لاستخدام النفط كوقود على البيئة قد شجع على البحث عن الطاقة البديلة الصديقة للبيئة. لقد بلغت أسعار النفط أوجها في صيف عام 2008 عندما تعدت حاجز الـ147 دولاراً للبرميل وتراجعت بفعل الأزمة العالمية في أواخر ذلك العام، ثم استعادت زخمها بعدما تمكنت البلدان المنتجة، خصوصاً بلدان «أوبك»، من السيطرة على الانتاج، بعد خفوضات مهمة. لكن استمرار الركود الاقتصادي وتحسن الإنتاج في الولايات المتحدة، في حقول النفط الصخري، دفع الأسعار للانخفاض في صيف 2014.
تفاعل الاقتصاد العالمي على مدى زمني طويل مع الأوضاع النفطية في شكل واضح. ونذكّر بأن ارتفاع أسعار النفط بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973 وعبور قناة السويس، دفع التضخم إلى مستويات عالمية، الإدارات النقدية في الولايات المتحدة والدول الصناعية الرئيسية إلى رفع أسعار الفائدة المصرفية من خلال آليات رفع سعر الخصم. لكن التضخم في الوقت الراهن يكاد لا يذكر، علماً أن السلطات النقدية في أميركا وبلدان الاتحاد الأوروبي تطمح بأن يصل إلى معدل 2 في المئة سنوياً ولكن من دون جدوى. وتمثل أسعار الوقود مكوناً مهماً في سلة الأسعار للسلع والخدمات، ونظراً الى هبوطها فإن إمكانات ارتفاع معدلات التضخم في البلدان الرئيسية تبدو شبه معدومة. كذلك مثلت أسعار النفط أداة لزيادة إيرادات البلدان المنتجة او خفضها، بمعنى أن ارتفاع الأسعار أدى إلى تحسن ميزان المدفوعات للكثير من البلدان المنتجة للنفط وانخفاض في ميزان المدفوعات للبلدان المستهلكة. فإيرادات النفط تمثل أهمية للبلدان المنتجة نظراً الى كونها المكون الأساس في إيرادات الخزينة العامة في هذه البلدان والتي تمثل تمويلاً أساسياً للإنفاق العام.
تواجه اقتصادات النفط المتغيرات الجارية في البلدان الصناعية، الديموغرافية والاقتصادية، والتي تستحق المتابعة من قبل الإدارات الاقتصادية في البلدان المنتجة. هناك إمكانات حقيقية لتراجع الطلب نظراً الى التحولات المهمة في الهياكل السكانية في البلدان الصناعية حيث ترتفع نسبة كبار السن ممن تتراجع متطلباتهم الاستهلاكية. أما المتغيرات الاقتصادية فهي كثيرة وتشمل ترشيد الاستهلاك واستخدامات الوقود، وتطوير مصادر الطاقة النظيفة بما قد يؤدي إلى انخفاض مساهمة النفط، خصوصاً التقليدي، في عمليات إنتاجها. ويجب أيضاً أخذ التطورات الجارية في اقتصادات النقل في الاعتبار، اذ تتزايد استخدامات الكهرباء في السيارات وعربات النقل.
لا شك في أن النفط سيظل مكوناً مهماً في إنتاج الوقود للنقل والاستخدام المنزلي واستخدام الصناعة. لكن عمليات التطوير التقني ستعمل على ترشيد استخدام هذا المكون المهم. إذاً على البلدان المنتجة أن تستوعب هذه الدروس وتعزز قدراتها على ترشيد الإنفاق وإنجاز عمليات إصلاح بنيوي من أجل تنويع الإيرادات الوطنية. لقد طرحت أفكار وبرامج للإصلاح الاقتصادي في بلدان الخليج العربية لمواجهة انخفاض الإيرادات النفطية. وغني عن البيان أن من أهم عناصر المواجهة هو الاقتناع بأن أسعار النفط لن تعود إلى المستويات القياسية التي عرفتها.