تلعفر ومزاد الانتخابات العراقية المقبلة العرب حامد الكيلاني رصد عراقيون

العبادي يسعى مع اقتراب الانتخابات إلى سحب السجادة الإيرانية ولو قليلا من المالكي متحدثا بمزاج صانعها، لذلك بدأت المزايدات في الدفاع عن الذراع التابعة للحرس الثوري.

لم يتأخر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في رده أو تحديه لكل الأطراف التي أعلنت عن رغبتها في حل الحشد الشعبي أو دمج بعض فصائله في القوات النظامية، وهي أصوات تعلو حتى من داخل الأحزاب أو التيارات الدينية المذهبية التي ينتمي إليها الحشد أو النظام الحاكم في العراق.

العبادي قال شيئا استثنائيا يتناسب مع انتمائه لحزب الدعوة وزعيمه نوري المالكي الذي أعاد إنتاج نفسه كعراب للحشد الشعبي ومنفذا لوصايا ولاية الفقيه الإيراني وحرسها الثوري في العراق، أي الحشد الشعبي بميليشياته الطائفية المعروفة. العبادي يسعى مع اقتراب الانتخابات إلى سحب السجادة الإيرانية ولو قليلا من المالكي متحدثا بمزاج صانعها، لذلك بدأت المزايدات في الدفاع عن الذراع التابعة للحرس الثوري.

بعد كلمات أصبحت لازمة لدى أي سياسي يود خطبة أصوات القاعدة الجماهيرية التي ينتمي إليها الحشد الميليشياوي وذلك بذكر التضحيات وضريبة الدم، وهي غاية صراعات السياسة في تبرير سفك الدماء التي بالإمكان أن نطلق عليها الحبر الانتخابي المسجل مسبقا وحكرا للأحزاب الدينية إيرانية الولاء.

يأتي الاستثناء فيما قاله العبادي بأن الحشد الشعبي يأتمر بقيادة المرجعية المذهبية ثم بقيادة الدولة العراقية. العبادي يقصد تماما أن المرجعية الدينية أولا في العراق ومن بعدها الدولة، والحشد أو الحرس الثوري العراقي لا يُحل إلا بقرار من المرجعية، ثم تمتثل له الدولة. هكذا يكون الجدل حول النظام السياسي في العراق الذي تم اختزاله باعتراف رئيس الوزراء بأن العراق يحتكم إلى نظام ولاية الفقيه، وأن أي حديث آخر إنما هو “حشو” لإكمال عُدة 4 سنوات أخرى من حكم حزب الدعوة والميليشيات.

المرحلة التالية معركة تحرير تلعفر من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، ورئيس الوزراء حيدر العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة جاهر هذه المرة بمشاركة الحشد الشعبي خلافا لمعركة الموصل حين رضخ فيها العبادي محتشماً لإملاءات القيادة الأميركية وسمح للحشد بالمشاركة في عمليات العزل والتطويق التي أدت إلى حصار المدنيين وداعش معا، مما فاقم من فداحة الخسائر في أرواح المواطنين وتدمير الموصل.

تلعفر تختلف عن الموصل لكونها قضاء عدد الأحياء فيه بحدود 22 حيا، ونسبة الدواعش تتباين في التقديرات رغم أنها تشير إلى ما يقارب 1000 مقاتل. الحشد يؤكد أن لا مدنيين في تلعفر وهو بذلك يمهد إلى القصف غير المقيد بكافة الأسلحة وبكثافة نارية مطلقة، بما يعني أن المعركة ستكون قصيرة الأمد، وهو ما يريده السياسيون كدعاية انتخابية يتنافس فيها العبادي كمتعهد موثوق به للمشروع الإيراني لتكملة تعبيد الطريق إلى دمشق وبيروت.

القوات النظامية من قوات مكافحة الإرهاب والفرق العسكرية والشرطة الاتحادية لا تنفي وجود المدنيين في داخل تلعفر، بما يعني أن التضحيات بينهم ستكون معبرا لتكرار الأعذار بالمفاجآت والدروع البشرية. وإن الأمر فيه مخاوف من انتهاكات طائفية مخطط لها خاصة إذا أعدنا التذكير بالتنوع المذهبي والقومي لسكان تلعفر الذي استدعى تواجد قوات تركية في بعشيقة تنفيذا لتهديدات أطلقتها الحكومة التركية قبل معركة الموصل من احتمال تعرض بعض سكان تلعفر إلى الإبادة ضمن أهداف التغيير الديموغرافي في المنطقة.

المشكلة قائمة وتشابكت مع إعلان إقليم كردستان عن الاستفتاء في سبتمبر القادم، وذلك مبعث قلق وتأرجح في تقييمات العلاقة بين حكومة المركز في بغداد وتركيا، أو بين تركيا وأدوات إيران في العراق ومنها الحشد الميليشياوي. هل إصرار العبادي على مشاركة الحشد في معركة تلعفر ما هو إلا رسائل تقطع الشك باليقين على أنه مع المحور الإيراني بحكم انتمائه الحزبي والعقائدي والطائفي؟ وما حماسته وارتفاع نبرته في الدفاع عن الحشد إنما لتخفيف الميول الإيرانية عن نوري المالكي.

العراق الحالي هو عراق تحت الوصاية الإيرانية وأي تقارب مع العرب لا يعني سوى علاقات دبلوماسية تخفي وراءها سياسة إيرانية تندرج تحت بند براغماتي يستشعر مخاطر التلويح الأميركي بإلغاء الاتفاق النووي والتهديد بالعقوبات، أو بتصريحات الإدارة الأميركية المستمرة بعزل إيران باعتبارها الداعم والراعي للإرهاب في العالم.

النظام الإيراني لن يترك العراق ولا سوريا ولا اليمن أو لبنان ولا دول الخليج العربي، ولا أي منطقة يستطيع التوغل فيها بوسائله. نظام يستخدم أدوات الآخرين التقليدية وهي جزء من العلاقات الدولية كالمراكز الثقافية والتجارية والتعاملات المصرفية واللقاءات بين البلدين، وعلى طريقة الجواسيس في زراعة المجسات لاصطياد الشخصيات المؤثرة ودراسة كيفية الاستفادة منها.

لهذا يندهش الكثيرون من دعم إيران لحركات وتنظيمات بعيدة عن مشروعها الطائفي، بل وتقفز على الانتماءات الدينية والقومية لتنفيذ أجنداتها في تغذية الإرهاب العالمي الذي لم تتبيّن إلى الآن العديد من الدول خفايا التمدد الإيراني على أراضيها أو على مقربة منها كمجموعات أو كأفراد.

التقارير تشير إلى مخاطر الانسحاب الأميركي من أفغانستان وملء الفراغ من إيران الداعمة لحركة طالبان التي تحولت إلى ذراع للحرس الثوري، وذلك بإغراقها بالأسلحة والمخدرات كما تفعل مع الحوثيين في اليمن أو البصرة العراقية أو باقي الدول. وما مقتل الملا موسى زعيم طالبان أثناء عودته من الأراضي الإيرانية بعد لقاءاته مع القيادات فيها بقصف لطائرة أميركية دون طيار، سوى دليل آخر على التعاون بين إيران وطالبان، حتى إن إحدى مدن أفغانستان تسمى جمهورية إيران الصغرى.

وللحرس الثوري موطئ قدم في أوروبا في دول جنوب غرب أوروبا، أي دول البلقان البعيدة عن الرصد والرقابة التي تستغلها إيران في مواجهة العقوبات منذ بداية تسعينات القرن الماضي لتصدير إرهابها وعملائها ومن اشترت ذممهم لنشر نفوذها وغسيلها الذي أصبح على أبواب الإعلام والتفتت إليه المخابرات الدولية لملاحقته والحد من تسلله الخفي والمبطن، وتلك سياسة إيرانية في صلب اهتمامات عقيدتها ودبلوماسية تعاملها مع الدول.

ولا يغيب عن ذاكرتنا خبر تم تسريبه بحذر أثناء الهجمات الإرهابية في فرنسا عن تهريب أفراد في مجموعات إرهابية وبتواطؤ مالي بين بعض شركات السياحة والسفر وعدد من السفارات أو القنصليات الأوروبية، وتناول عددا محدودا، بينما الحقائق في متناول كل المهتمين ويمكن تتبع خطوط الرحلات المكوكية لأسماء ليست في الواجهات السياسية، إحدى محطاتها إيران والباقي من المحطات دول فيها أذرع قوية للحرس الثوري. كم من هؤلاء يستقر الآن في أوروبا ودول أخرى من العالم، والسؤال دائما ما هو عملهم؟ ومن أين هي مصادر تمويلهم؟ وكم منهم سافر تحت عنوان وفود حكومية؟

معظمهم يتحدثون عن شرعية أفعالهم كما يفعل الحرس الثوري العراقي عندما يستند إلى مشروعية قانون الحشد الشعبي الذي أقره البرلمان العراقي. في مثل واقعنا كم من أعضاء البرلمان وأحزابهم وقواهم السياسية بإمكانهم تقديم طلب إلغاء القانون المذكور؟ هل من حل والمؤسسة التشريعية هي التي صوتت على تحشيد الميليشيات للدخول في مزاد تدمير المدن للفوز بالانتخابات المقبلة؟

كاتب عراقي

حامد الكيلاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *