سفيرة الأمم المتحدة بين المأساة الايزيدية وواجب اسرائيل الاخلاقي! هيفاء زنكنة رصد عراقيون
نادية مراد، شابة عراقية، عمرها 23 عاما، تم أختيارها في سبتمبر/ أيلول 2016، سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة. سبب اختيارها للمنصب الفخري انها من الأقلية الأيزيدية، في العراق، التي تعرضت، إلى جريمة تهجير واغتصاب وقتل، تم وصفه بالابادة الجماعية، من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، في مدينة الموصل، حيث قام التنظيم، عام 2014، باختطاف عدد كبير من النساء كسبايا، وكانت نادية واحدة من المختطفات اللواتي عشن مأساة البيع والاغتصاب المتعدد، الا انها تمكنت من الفرار، من جحيم الموت الجماعي، بعد ان لجأت إلى عائلة «مسلمة سنية مصلاوية»، ساعدتها على الهرب من الموصل، حسب شهادتها المتوفرة على اليوتيوب.
في خضم الاقتتال والتهجير، في مدينة الموصل وضواحيها، وما صاحبها من تغطية اعلامية، محلية وعالمية، مكثفة، المسايرة لحملة « الحرب على الإرهاب»، صارت نادية، بملامحها السمحة، والسواد الذي ترتديه حزنا على أخوتها وأهلها وابناء طائفتها، بالاضافة إلى نحافتها ومنظرها الفتي، الذي يدفع من يلتقيها ويسمع حكايتها المأساوية، إلى الرغبة باحتضانها، أملا بحمايتها من بلاء آخر قد تتعرض له، صارت نادية الوجه/ الرمز المعروف انسانيا واعلاميا (جانبان قلما يلتقيان) للمأساة الأيزيدية.
خلال فترة قياسية، تم تسليط الاضواء عليها، اعلاميا، كممثلة لمأساة أيزيدية، فقط، لا علاقة لها بمآسي بقية الموصل والعراق، عموما. ولم يحدث، الا نادرا، تقديم نادية كعراقية، فهي أما أيزيدية أوايزيدية كردية. قد يكون السبب، انها لاتزال تعيش فترة ما بعد الصدمة، وما تسببه من نسيان، أو انه خطأ اعلامي تم تناقله، بدون تدقيق صحته مع نادية، وهي المنغمرة بالاهتمام الاعلامي الغربي، المكثف، وحضور المؤتمرات، والسفر إلى بلدان متعددة، وخاصة بعد ترشيحها للفوز بجائزة نوبل للسلام وتعيينها سفيرة الامم المتحدة، دفعة واحدة. وهوتقدير تستحقه نادية، بعد ان انخرطت في العمل كناشطة حقوقية، كغيرها من نساء ورجال يرشحون لهذه المناصب، بعد مأساة إنسانية يمرون بها. الافتراض العام هنا، ان من يعيش تجربة قاسية، يدرك جيدا معنى اضطهاد الفرد والشعوب، وبالتالي، سيعمل، حسب امكانياته، على التوعية بمآسي التهجير والتعذيب والقتل والابادة، باذلا جهده لئلا تتكرر.
إزاء هذا الفهم المتفق عليه انسانيا، أجدني، منذهلة، لتوجه نادية إلى نظام الفصل العنصري ومشاركتها في مؤتمر أقيم في الكنيست، تعاطفا مع «الأقلية الأيزيدية في العراق». وانها دعيت لأن «من واجب إسرائيل الأخلاقي الاعتراف بالجريمة النكراء التي تعرض لها الإيزيديون، من منطلق تاريخنا والتزام مؤسسي الدولة بالوقوف إلى جانب كل شعب في العالم». حسب عضوالكنيست كسينيا سفاتلوفا.
هل هناك اسفاف واهانة لذكاء الناشطة الحقوقية نادية، قبل غيرها، اكثر من هذا؟ عن أي واجب أخلاقي يتحدث عنه ساسة نظام مبني على جثث أهالي البلد الفلسطينيين؟ كيف يمكن توقع العدالة من نظام مبني على أرض محتلة، وشعب تم تهجيره بأبشع الطرق، ومن بقي منه معرض للأسر والتعذيب والقتل، في كل لحظة من ساعات الليل والنهار؟
هل هي السذاجة التي قادت نادية إلى الوقوف، دامعة العينين، لتحدث أعضاء الكنيست الذين يمارسون سياسة التشريد والقتل، يوميا، بحق الفلسطينيين، عما تعرض له «شعبها» من تشريد وقتل؟ ربما لصغر سنها وقلة خبرتها. فكرت، لعلها، أيضا، لم تطلع على تاريخ المنطقة، ولا تعرف ما هي النكبة والنكسة ويوميات الاحتلال؟ لكنني استبعدت الفكرة حين استمعت اليها، قائلة في مقابلة تلفزيونية «لقد درست التاريخ»، فعن أي تاريخ تتحدث؟ هل هناك كتاب تاريخ، في بلادنا، لا يدرس تاريخ الحركة الصهيونية وكيفية احتلال فلسطين؟ ألم تقرأ عن مجزرة دير ياسين وكفر قاسم وغيرهما؟ والآن، ألم تستعد، ذلك التاريخ، لتتوقف عنده قائلة هذا يشبه ما حدث لشعبي، وعلي الا أسمح للمجرمين باستخدامي كصابونة رخيصة لغسل أيديهم من دماء شعب آخر؟
«لا اقبل لاحد ان يساوم على عملي، فعملي له اطار انساني ورسالة عالمية وساستمر للدفاع عن حقوق شعبي الايزيدي الذي يعاني من الاضطهاد، إلى جانب الدفاع عن كافة الفئات المستضعفة والمهمشة». هكذا بررت نادية موقفها، في بيان أصدرته، بعد ان استنكر الزيارة العديد من العراقيين. مضيفة: « لدي موقف حيادي من كافة الصراعات الدائرة في منطقة شرق الاوسط وملتزمة برسالتي الإنسانية للدفاع عن كافة المضطهدين وفي اي بقعة من العالم كانت».
تقول نادية انها ملتزمة بـ «الدفاع عن كافة المضطهدين وفي اي بقعة من العالم كانت». فلنستعد، معها، حصيلة هجوم أسرائيلي واحد فقط على قطاع غزة المحاصر، المعروف بأنه « اكبر سجن في العالم» لمليوني فلسطيني. المفارقة المؤلمة ان الهجوم والقصف الاسرائيلي عام 2014. أي ذات الفترة، تقريبا، التي تعرض فيها أهل الموصل ومن بينهم الايزيديون إلى الهجوم والتهجير الداعشي. نقرأ في تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حصيلة الهجوم الذي سماه الجيش الاسرائيلي «عملية الجرف الصامد»، ان هناك 1742 قتيلا، منهم 7431 مدنيا، أي ان اربعة من كل خمسة من الضحايا، في الخمسين يوما، وحدها، كانوا مدنيين، بينهم 530 طفلا و302 امرأة. والى جانب اكثر من الفي قتيل وقتها سقط من الفلسطينيين 10,870 جريح، بينما ثلث الأطفال الجرحى سيعانون من إعاقة دائمة. ولقد ابيدت عوائل فلسطينية بأكملها، وفقدت 145 عائلة فلسطينية 3 أوأكثر من أفرادها.
أما عن الدمار المادي، فهناك ما يزيد على 17 ألف منزل مدمر، وحوالي 100 ألف مهجر فلسطيني بلا مأوى، كثير منهم من اللاجئين إلى غزة، أصلا، بسبب الاحتلال الاسرائيلي والتهجير في 1948 و1951 و1967. دمر القصف الاسرائيلي 62 مسجدا بالكامل و109 جزئيا. ودمرت كنيسة فلسطينية جزئيا. كما دمرت 10 مقابر إسلامية ومقبرة مسيحية.
عدد الهجمات الإسرائيلية كانت: 210 8 صاروخ جوي، 736 15 قذيفة بحرية، و718 36 قذيفة برية. من بين ما استهدفته 9 محطات لمعالجة المياه، 18 منشأة كهربائية، 10 مستشفيات، 19 مركزا صحيا، 36 سيارة إسعاف.
ويعيش أهل غزة اليوم بعشر ما كان لديهم من الماء والصرف الصحي والكهرباء، وبأقل القليل من الخدمات الصحية. وفي مجال التعليم والثقافة فقد دمرت 222 مدرسة، منها 141 مدرسة حكومية و76 مدرسة تابعة للأونروا و6 جامعات، و48 جمعية.
تقول نادية في بيانها «لدي موقف حيادي من كافة الصراعات الدائرة في منطقة شرق الاوسط». أقول: عزيزتي نادية. ان الموقف من قضايا الشعوب المضطهدة العادلة لايمكن ان يكون حياديا. والموقف من نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) المؤسس على قمع الفلسطينيين بسياسات وممارسات شتى بهدف فرض سيطرة جماعة عرقية عليهم يرقى إلى التطهير العرقي (كما حدث لشعبك)، لا يمكن ان يكون حياديا. تجاهل هذه الحقيقة، ومساواة الضحية (الفلسطيني) بالجلاد (اسرائيل) يقود إلى مسار خطر جدا، سينعكس سلبا ضمن منطق «الموقف الحيادي» فيساوي، ذات يوم، بين الضحية (الايزيدية) والجلاد (داعش)، وهذا، على الأقل، ما لن ترغبي بحدوثه.
٭ كاتبة من العراق