لا رابط بين المسجد الأقصى وهيكل سليمان / سعد سعيد الديوه جي / رصد عراقيون
مع عودة الاعتداءات على حرمة المسجد الأقصى تعالت أصوات من هنا وهناك للتأكيد على أن المسجد هو الهيكل ، وما هو إلا المرادف الاسلامي للهيكل ! ، أي أن المسجد بني على أنقاض ما يسمى بهيكل سليمان .
ومن خلال متابعتنا لبعض هذه الكتابات على مواقع الانترنت ، تبين لنا أن معظم كتابها لا يعلمون من التاريخ إلا أماني ولا يكتبون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً ، أو أنهم مندفعون تحت أغطية أخرى .
ومن فرط تعلق أحدهم بنظريته القائمة على أن المسجد الأقصى هو الهيكل يقول ” وفي محرابه إعتكفت مريم العذراء وفيه بشرت بعيسى (ع) وهو جهل عميق عما يمثله المسجد وما تعنيه كلمة هيكل .
وهذا الكلام أشبه بالهراء فعيسى (ع) ولد في بيت لحم كما جاء في الأناجيل ولم يدخل القدس إلا مرتين ، يوم كان فتى يافعاً وقبل محاولة صلبه ، ناهيك أن الهيكل لا يحتوي على شئ إسمه محراب ولا مصلى وفيه مذبح على الطريقة الوثنية وغرفة قدس الأقداس وتفاصيل وثنية عديدة !
ففي المفهوم الإسلامي الواسع لا يوجد مكن مخصص للصلاة غير المساجد ، وأرض الله الواسعة هي مسجد مفتوح ، ووجود المسجد الأقصى حقيقة لا جدال حولها قبل بعثة الرسول (ص) ومنذ عهد إبراهيم (ع) .
وقبل أن يبنى ما يسمى بهيكل سليمان بحوالي ألف عام ، فإبراهيم (ع) هو الذي سمانا المسلمين كان يبني مسجداً أينما ذهب ، وقبل أن تبنى أورشليم – القدس- بمدة طويلة وكذلك بنى في الخليل وهو الذي بنى البيت الحرام مع ابنه اسماعيل كما هو معروف .
وتأكيداً لهذه الحقيقة فإن الشيخ محي الدين بن الزكي الذي كان مرافقاً لصلاح الدين عندما فتح بيت المقدس (583هـ – 1187م) ، وفي أول خطبة له في المسجد الأقصى قال ” فهو موطن أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم محمد وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها من ابتداء الإسلام ، وهو مقر الأنبياء ، ومقصد الأولياء ، ومقر الرسل وهو المسجد الذي صلى فيه رسول الله (ص) بالملائكة المقربين ، وهو أول القبلتين وثاني المسجدين ” ، فمسألة بناء إبراهيم (ع) للمسجد الأقصى (البعيد عن مكة ) مسألة محسومة دينياً وبقيت آثاره إلى البعثة المحمدية .
فالمحراب من خصوصيات المسجد وبما أن زمن داؤد عليه السلام سابق لزمن إبنه سليمان (ع) الذي اقترن الهيكل بإسمه ، حيث يقول القرآن بحقه : “وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ 21 القصص ” ، أي أنه كان هنالك محرابٌ سبق بناء الهيكل المنسوب لسليمان (ع) ومع ذلك يقول أحدهم بعبقرية نادرة ” بأن أرضية المعبد – الهيكل – هي نفس ارضية المسجدين الاقصى وقبة الصخرة …. ” !
إن سكان بيت المقدس عند فتحها من قبل عمر بن الخطاب (رض) عام 17هـ كان جلهم من النصارى العرب ، وفي هذا الفتح الذي لم يسفك فيه قطرة دم واحدة قام بطريركها ” صفرنيوس” بتسليم مفاتيح المدينة لعمر (رض) بعد زيارته لكنيسة القيامة حيث أخذ بالبحث عن الصخرة التي عرج منها الرسول (رص) ، وبمعاونة بعض الصحابة والبطريرك صفرنيوس ، توصل عمر (رض) إلى باب المسجد الذي كان مطموراً بالاتربة ، وقال : ” هذا والذي نفسي بيده وصفه لنا رسول الله (ص) ثم أمر بإعلاء المسجد وأسسه ليبدأ البناء فعليا مع مسجد قبة الصخرة في زمن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (66هـ) وانتهى منه عام (72 هـ) .
لقد أراد الصليبيون تضييع آثار المسجد الأقصى عندما سقطت القدس بأيديهم عام (493هـ – 1099 م) فبدؤا بتغيير معالم المسجد الأقصى وبنوا حائطاً أمام المحراب وصاروا يطلقون عليه معبد سليمان ، ومن هنا نشأت الفكرة القائلة بأن موضع المسجد الاقصى هو موضع ” هيكل سليمان” .
لقد أراد بعض مرافقي صلاح الدين هدم كنيسة القيامة رداً على ما رأوه من همجية الصليبيين فأبى صلاح الدين وأمر بإعادة المسجد على ما كان عليه ، وأزال صلاح الدين الرخام الذي وضعه الصليبيون على صخرة المعراج لتضييع معالمها ؟
أما الهيكل الموصوف في أسفار التوراة وصفاً دقيقاً من ناحية الأبعاد والبناء فهو مطابق تماماً للهياكل الوثنية الكنعانية المعاصرة له ، وأن هذا الهيكل تمت فيه عبادة الاوثان حتى من قبل سليمان (ع) ، وهو إدعاء كاذب بالنسبة لنا كمسلمين ، فتقول التوراة عن سبب إنقسام إسرائيل بعد وفاة سليمان (931 ق.م) ” لأن سليمان تركني وسجد لعشتارون إله الصيدونيين ولكموش إله المؤابيين ولملكوم إله بني عمون ، 23 – 11 الملوك الاول” ، وهنالك نصوص كثيرة عن إمتلاء الهيكل بالرموز الوثنية موجودة في كل أسفار التوراة .
وهنالك إشارات لا لبس فيها حول تحول الهيكل إلى مركز لنوع من البغاء سماه الكتاب المقدس ” البغاء المكرس” والذي كان يخصص وارده للهيكل وبأشراف الكهنة ، حيث يقول الكتاب المقدس عن أحد ملوك يهوذا وبسالته “ونفيه بغايا المعبد الباقيات من أيام آسيا أبيه ، وكذلك إبادته للذين يمارسون الشذوذ الجنسي في عبادتهم الوثنية ، 47 -22 م أول ”
لقد مر هذا الهيكل بمراحل تاريخية عديدة بعد أن تمت إزالته على يد البابليين (586 ق.م) وأن الهيكل الذي عاصره السيد المسيح سماه ” مغارة اللصوص” ، والذي بدأ ببنائه هيردوس عام (19ق.م) حيث تقول الأناجيل ” ودخل يسوع الهيكل وطرد جميع الذين يبيعون ويشترون فيه وقال لهم جاء في الكتاب : بيتي بيت الصلاة وأنتم جعلتموه مغارة لصوص 12-13 ، 21 متى ، 15-19 ، 11 مرقس ” ، فهل يعقل أن تتعبد مريم العذراء وهي سيدة نساء العالمين والأنبياء في هكذا مكان ؟
وعليه فالمسجد الأقصى لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بما يسمى بهيكل سليمان ، فالأول كان يعبد فيه الله والثاني كما صورته لنا التوراة هو ” بيت الرب الذي سيسكن فيه مع شعبه الاثير في نهاية الزمن وهو الذي عبدت فيه الأوثان ومورس فيه الشذوذ الجنسي وسائر الموبقات وبشهادة الكتاب المقدس نفسه .
فالمسجد الأقصى الذي بناه إبراهيم (ع) بناء بسيط يحتوي على محراب ، بنى اليهود بجانبه هيكلهم الذي سموه ” هيكل سليمان ” ولا رابط بينهما مطلقاً .