الصراعات العراقية من أجل القوة ليست إلا البداية *ريناد منصور/ ساسة بوست / رصد عراقيون
بالنسبة للعديد من العراقيين، فإن دمار مئذنة «الحدباء» الشهيرة في الموصل يرمز إلى هزيمة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق. ذلك أن «أبا بكر البغدادي» قد أعلن خلافته تحتها في جامع «النوري»، والآن قد دمرها هذا التنظيم الجهادي في مواجهة تقدم قوات الأمن العراقية. إلا أن شكل هذه الهزيمة، والمسار المحتمل للعراق «ما بعد تنظيم داعش»، لا يزال غير واضح المعالم.
وعلى الرغم من أن مهمته في بناء دولة قد انتهت، سيستمر تنظيم داعش في الوجود. إذ سيكون منظمة أعيد تشكيلها، منظمة لا تسيطر على أراضٍ وتشكّل تهديدات جديدة. من الناحية العسكرية، سيلجأ التنظيم إلى حرب العصابات، بما في ذلك الاعتداء على المدنيين في المناطق المكتظة بالسكان في العراق. وخلافًا للماضي، فإنه يمتلك الكثير من الموارد بالإضافة إلى تحوّله إلى أساليب المافيا في غسيل احتياطاته النقدية الضخمة من خلال الأعمال التجارية التي تبدو مشروعة؛ ومن بينها تصريف العملات والتجارة في المستحضرات الطبية. وحتى وقت قريب، اشتمل ذلك على تبادل الدينار العراقي بالدولار الأمريكي من خلال مزادات العملة في بنك العراق المركزي.
كما أن الصراعات الكامنة بين الكثير من القوى السياسية العراقية ستظهر في المقدمة مع تراجع القضية المشتركة لهزيمة تنظيم داعش. ومن المتوقع أن تشتعل النزاعات المتصاعدة حول الأراضي في الشمال العراقي؛ إذ ستتنافس قيادة كردستان العراق والجماعات شبه العسكرية العربية والتركمانية الشيعية التابعة لقوات الحشد الشعبي «PMF»، والقادة السياسيون المحليون ومقاتلو القبائل العربية السنية والأطراف الإقليمية للحصول على النفوذ الأكبر في المناطق الساخنة المهمة مثل كركوك وشمال نينوى ومنطقة الحدود العراقية السورية.
ومن المقرر أن يندلع صراع بين الشيعة على السلطة في بغداد بين رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ورجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر. وهنا ستكون السياسات الأمريكية والإيرانية على مفترق طرق: إذ ستعمل طهران على تقوية حلفائها الموثوقين ومن بينهم المالكي وكبار القادة في قوات الحشد الشعبي مثل هادي العامري، وقيس خزالي، وعبد المهدي المهندس. وفي الوقت نفسه، ستركّز واشنطن على تقوية قبضة العبادي. والأهم من ذلك، هو أن النزاع بين العبادي والمالكي والصدر تغذّيه مجموعة متزايدة من الأشخاص الذين يعتقدون الآن أن الفساد، وليس الطائفية، هو السبب الرئيس لظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
وكي يتمكّن العراق من التصدي لهذه التحديات، لا بد له من تعزيز المؤسسات الحكومية المحلية والاتحادية لمواجهة قوة الأطراف العنيفة وغير الحكومية والوصول إلى فهم جديد لتقاسم السلطة المحلية. وعندها فقط تستطيع الدولة معالجة الأسباب الجذرية لظهور تنظيم داعش والعمل من أجل ترجمة الانتصارات العسكرية الحالية إلى إصلاحات سياسية طويلة الأجل، وبالتالي تضمن عدم توجّه العراق نحو جولة جديدة من الصراع.