الخطّة الاستراتيجيّة لإعمار الموصل أمام تحدّيات التنفيذ / بقلم عدنان أبو زيد
كشف الأمين العام لمجلس الوزراء العراقيّ مهدي العلاق لوسائل الإعلام في 14 حزيران/يونيو من عام 2017 عن أنّ الحكومة وضعت خطّة استراتيجيّة لإعمار مدينة الموصل، بعد التحرير من تنظيم “داعشّ، الذي احتلّها في مطلع حزيران/يونيو من عام 2014، في وقت أعلنت فيه وزارة التخطيط عن خطّة لإعادة إعمار المناطق المحرّرة سوف تكلّف العراق نحو 100 مليار دولار، وتستمرّ لمدّة 10 سنوات.
ولقد أكّد ذلك أيضاً الناطق باسم مكتب رئيس الوزراء سعد الحديثي، الذي قال: “إنّ العراق سيبدأ بالخطّة الاستراتيجيّة التي أعدّتها خليّة إدارة الأزمات المدنيّة، لإعمار الموصل كأولويّة، وذلك ضمن مشروع طويل الأمد لإعادة إعمار كلّ المناطق التي تحرّرت من داعش، وتبدأ المرحلة الأولى منها عام 2018 وتستمرّ حتّى عام 2022. بعدها، تبدأ المرحلة النهائيّة من عام 2023 ولغاية عام 2028”.
وعزا سعد الحديثي سبب إعطاء الموصل الأولويّة في خطّة الإعمار الاستراتيجيّة إلى “الضرر الهائل الذي لحق بها من جرّاء المعارك”، وهو ما أكّدته ممثلة البرنامج الإنمائيّ لمنظّمة الأمم المتّحدة في العراق ليز غراندي في 13 حزيران/يونيو من عام 2017، وقالت: “إنّ حجم الدمار الذي شهدته الموصل، يعدّ واحداً من أسوأ التطوّرات التي شهدتها الحملة لتحرير المدينة”.
وقال الحديثي: “كما أنّ للموصل قصب السبق في الإعمار، ويعود ذلك إلى أعداد النازحين الهائلة، فضلاً عن الأهميّة الرمزيّة التي يكتسبها إعمار مدينة كان داعش يعتبرها عاصمته بعد الرقّة في سوريا، إضافة إلى أنّ الموصل تشغل المركز الثالث في عدد السكّان بعد العاصمة بغداد، والبصرة في الجنوب”.
وكشف عن ذلك أيضاً وزير الهجرة والمهجّرين العراقيّ جاسم الجاف في 14 حزيران/يونيو من عام 2017 إذ قال: “إنّ عدد النازحين من الجانب الغربيّ لمدينة الموصل ارتفع إلى 690 ألفاً منذ بدء القوّات العراقيّة هجومها في 19 شباط/فبراير الماضي”.
وتحدّث الحديثي عن أولويّات مشروع الإعمار الاستراتيجيّ، لافتاً إلى أنّه “يركّز أوّلاً على النازحين أو الذين مكثوا في المدينة خلال فترة احتلالها، وسوف يتمّ تسخير الأموال اللاّزمة والآليّات وقطاع الخدمات لإرجاع من يستطيع من السكّان إلى البيوت، التي تتيح السكن فيها بعد تأمينها من قبل القوّات الأمنيّة والجيش المتواجد حاليّاً في المدينة”، وقال: “أمّا الفقرة الثانية من الخطّة فسوف تتضمّن بناء مؤسّسات الأمن في المحافظة والمتمثّلة بالشرطة المحليّة، وعناصر الاستخبارات وقوّات الردع السريع، عبر تشجيع أبناء المدينة على التطوّع، ثمّ إدخالهم في دورات تدريبيّة ومعاهد دراسة لتهيئة أفراد أمن مهنيّين قادرين على الدفاع عن المدينة، تمهيداً لخروج الجيش والقوّات القتاليّة منها”.
وأوضح الحديثي أنّ الفقرة الثالثة من الخطّة هي “التأسيس للتعايش بين أطياف المدينة وقوميّاتها”، وهو أمر اعتبره عضو مجلس نينوى عبد الرّحمن الكاع في حديث لـ”المونيتور” “ضروريّاً لإحلال السلام بين سكّان المدينة، وهم العرب السنّة الذين يمثّلون الأكثريّة والأكراد، والعرب الشيعة الذين يمثّلون أقليّة صغيرة، إضافة إلى التركمان والمسيحيّين، عبر نشر ثقافة التسامح وإبعاد المساجد عن التطرّف، وتنظيم زيارات ميدانيّة دوريّة لأهالي الموصل إلى بغداد ومناطق الوسط والجنوب، لتحقيق الاندماج المجتمعيّ. كما يتمّ إشراك الجميع في الفعاليّات الثقافيّة والإجتماعيّة والدينيّة”.
غير أنّ الآمال معلّقة على هذا المشروع الاستراتيجيّ، الذي “يواجه تحدّيات مهمّة”، وفق النائب في البرلمان عن محافظة نينوى جميلة العبيدي، التي قالت “إنّ أكبر تحدّ تواجهه الخطّة الاستراتيجيّة هي الأموال، لا سيّما أنّ رواتب موظّفي المحافظة لم تصرف إالى الآن”.
واعترفت جميلة العبيدي بأنّ “هناك شركات إعمار أجنبيّة ستدخل، بعد خروج داعش مباشرة لإعمار المدينة، وفق الخطّة الاستراتيجيّة”، متمنية أن “يسهم ذلك في استثمار لصالح أبناء المدينة، وألاّ يكون الهدف منه لأجل الأرباح فقط”، محذّرة من “الفساد في هذه المشاريع”.
ويبدو أنّ حلّ معضلة التمويل، التي تحدّثت عنها العبيدي، يكون عبر التوجّه إلى الاقتراض، وسيكون التوجّه إلى البنك الدوليّ خياراً رئيسيّاً، إذ ناقش رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي في 24 أيّار/مايو من عام 2017 مع المدير الإقليميّ في البنك الدوليّ ساروج كومار عمليّات الإعمار في المناطق المحرّرة.
وأكّد الحديثي أنّ “البنك أبدى الاستعداد للاستثمار في إعادة إعمار الموصل”. كما أنّ “صندوق إعادة إعمار المناطق المتضرّرة” أبكر بالشروع في مشاريعه، إذ كشف في 18 أيّار/مايو من عام 2017 خلال مؤتمر إربيل الدوليّ للإعمار عن إنجاز أكثر من 151 مشروعاً في عدد من المحافظات المحرّرة من “داعش”.
ومن البديهي أنّ مشاريع إعادة الإعمار ستكون فرصة استثماريّة جيّدة للكثير من الدول، التي سيزداد حماسها للمشاركة إذا ما أدركت أنّ العراق يستطيع توفير المبالغ اللاّزمة للإعمار، كما حال تركيا، جارة العراق، إذ أكّدت في 15 حزيران/يونيو الماضي على لسان سفيرها في العراق فاتح يلدز “الاستعداد لعقد مؤتمر لرجال الأعمال والمستثمرين الأتراك والعراقيّين خلال شهري آب وأيلول المقبلين بهدف التنسيق في شأن عمليّات الإعمار. وأبدت الشركات الفرنسيّة الرغبة في مشاريع إعادة الإعمار أيضاً.
وعدا المسألة الماليّة، فإنّ على الخطّة، بحسب عضو مجلس محافظة نينوى حسام العيار في حديث لـ”المونيتور”، “إزالة تأثيرات إيديولوجيّة التطرّف من ثقافة أهالي الموصل، بعد نحو 3 سنوات من تعايشهم مع خطاب داعش التحريضيّ، ونشوء جيل جديد استلهم الكثير من معتقدات كراهيّة الآخر”.
وقال حسام العيار: “إنّ الخطّة تتضمّن برامج ثقافيّة ودينيّة تتبنّاها المساجد والمدارس والكنائس لترسيخ قيم التعايش والاعتدال، وتعزيز ثقافة السلام وحريّة المعتقد، والحفاظ على حقوق الآخر”.
إنّ عودة أهالي الموصل إلى مدينتهم، التي بدأت باكراً حتّى قبل التحرير النهائيّ للمدينة، وفق تأكيد محافظ نينوى نوفل السلطان في 15 حزيران/يونيو من عام 2017 لوسائل الاعلام، تتطلّب الإسراع في إعادة الإعمار، كأحد شروط القضاء على الإرهاب، وفق رئيس المجلس الأعلى الإسلاميّ عمّار الحكيم في 22 أيّار/مايو من عام 2017.
تستعدّ مدينة الموصل لاستقبال الشركات لإعادة تأهيل البنى التحتيّة والمؤسّسات، بعد تحريرها من “داعش”، فيما يطرح السؤال عن كيفيّة تأمين الأموال اللاّزمة لتنفيذ خطّة الإعمار الاستراتيجيّة التي أعدّتها الحكومة.