راح زمان البهلوان القطري القديم أسعد البصري
تضيق الدائرة على قطر يوما بعد يوم ويتبين لها أن الهروب إلى الأمام لن ينقذها من تداعيات المقاطعة وأن الاحتماء بأنقرة وطهران وهم يطيل أمد الأزمة ويضاعفها على الدوحة خاصة بعد أن بدأت حكومات ومؤسسات اقتصادية كبرى تسير ضمن ركب المقاطعة والتأكيد على صحة وواقعية الأسباب التي دفعت إليها.
الحلقة تضيق أكثر فأكثر
هدوء سياسي مخيف وكأن المنطقة مقبلة على عاصفة. هذا هدوء غير طبيعي خصوصا بعد الاحتقان الأخير في الخليج بخصوص قطر والمهلة التي منحتها الدول العربية الأربع بعد تقديم المطالب. السعودية هي مركز القرار السياسي العربي وهي كما علمتنا التجارب تعرف جيدا متى تصمت ومتى تتحرك.
قالت قطر يوم الخميس إنها تعمل مع الولايات المتحدة والكويت للرد على قائمة مطالب قدّمتها دول عربية تتهم الدوحة بدعم “الإرهاب” الأمر الذي فجّر أزمة إقليمية بين حلفاء واشنطن.
لن تنفع قطر محاولات الاستنجاد بالجنود الأتراك أو الحرس الثوري الإيراني. كل ما عليها فعله مراجعة المطالب الثلاثة عشر وفهمها جيدا ثم تنفيذها. هذا هو الحل الوحيد فلا القاهرة ولا الرياض ولا أبوظبي ولا المنامة عندهم استعداد لقبول البهلوان القطري القديم. لا بد من تغيير حقيقي في السلوك.
لماذا تطالب السعودية بإغلاق قناة الجزيرة؟ الموضوع ليس فقط طبيعة خطاب القناة التحريضي، هذه قناة سياسية بميزانية ضخمة استخدمتها مخابرات الرئيس السابق باراك أوباما في إشاعة الفوضى الخلاّقة بالمنطقة وإسقاط الأنظمة وأصبحت مؤسسة معلومات مخابراتية ثمينة. فالكل يتصل بهم ويرسل تقارير وتحليلات خصوصا الإرهابيون.
وقطر تضخ هذه المعلومات بعد معالجتها بحسب أجندتها لكل من المخابرات الأميركية وتنظيم الإخوان وتركيا ومؤخرا إيران دخلت على الخط بشكل علني. قطر صارت تدير الشرق الأوسط بالمال والمعلومات وتنظيم الإخوان والجزيرة وهذا دور خطير جدا.
السعودية سكتت في الماضي لأن الرئيس السابق أوباما كان يدعم قطر ويحاصر السعودية. والآن إذا قطر لا تتراجع عن نهجها في دعم الإرهاب وإشاعة الفوضى بعد المُهلة المحددة فالمملكة ستتخذ خطوات أقسى في تأديب الدوحة.
دولة صغيرة حولت نفسها إلى غرفة عمليات معادية للعرب وبنك معلومات وتنظيمات مسلحة متطرفة. من الممكن أن تحاول قطر تخريب مشروع الأمير محمد بن سلمان بالإصلاحات وتحقيق رؤية المملكة 2030 لهذا من الضروري تأديبها بكافة الوسائل والضغوط.
تتردد أنباء عن دعوة الدوحة لاجتماع ضباط الجيش العراقي السابق بعد سقوط دولة الخلافة الداعشية في الموصل. فهم يرون أن الرياض تسعى إلى حل للنزاع العراقي بين ملوك الطوائف وإعادة بغداد إلى العرب بعد ضرب إيران، بينما الدوحة لا تريد للمملكة أن تنجح في نشر السلام والاستقرار في أي بلد عربي.
المقاطعة العربية للدوحة بدأت تنتشر عالميا. وقالت مصادر مطلعة إن بنوك بريطانية كبيرة أوقفت التعامل بالعملة القطرية مثل لويدز وبنك أوف سكوتلاند وهاليفاكس وباركليز وتيسكو. وكذلك بعض شركات الصرافة البريطانية مثل ترافيليكس قد أوقفت التعامل بالريال القطري.
ماذا تنتظر لندن بعد أن حوّلها الإخوان المسلمون إلى بؤرة عالمية للإرهاب. حيث أخذ يرتد التطرف الديني على المدينة الكونية ويؤدي إلى سفك الدماء في ضواحيها وانتشار الكراهية. ثم أن هناك معلومات قدمتها دول عربية عن تورط الإقتصاد القطري في بناء شبكات لضخ الدعم للتنظيمات الإرهابية حول العالم من خلال لندن بالذات.
قطر في ورطة كبيرة فكل حلفائها يغرقون بالمشاكل وتضعهم الولايات المتحدة تحت المجهر. لا إيران في وضع يسمح لها بمساندتها ولا تركيا تستطيع تشجيعها أكثر على زعزعة الاستقرار
العرب بحاجة إلى مساعدة السعودية لإيقاف التخريب القطري واقتلاع الشعوب والأنظمة. السوريون مثلا ليست عندهم القدرة لإيقاف القطريين عند حدهم. قطر والإخوان يملكون المليارات من الدولارات.
عندما تمشي بلندن تذهلك المؤسسات القطرية التجارية ومكاتب السياحة والطيران، حتى أندية رياضية أوروبية تملكها وأسواق هارودز التاريخية مكان تسوق الملكة، قطعة فنية أثرية خلابة من الداخل والخارج، جوهرة من جواهر لندن.
اشتريت بعض الأشياء من هناك وسألت البائعة الإنكليزية مَن يملك هذه المصيبة فقالت “آل تاني”. تخيل هذه القدرات الرهيبة تتحكم بمواطن سوري فقير يعيش على الفول والمسبَّحة والفلافل. العاهل السعودي يستطيع إيقافهم عند حدهم. قريش تستطيع تأديب القبائل إذا تطلب الأمر ذلك.
بعد قمة الرياض صارت واشنطن متفهمة لجوهر المشكلة، وهي أن الأطماع القومية التركية والإيرانية بالأراضي العربية وثرواتها وجدت في الإسلام السياسي ذريعتها التاريخية لتحقيق هيمنة معاصرة.
تبدو الدولتان من الخارج كما لو أنهما في حالة صراع مذهبي بينما الحقيقة كل من طهران وأنقرة متحالفان ضد العرب والقتلى عرب والمدن التي يتم سحقها عربية.
الميليشيات الشيعية والإخوان المسلمون والتنظيمات الإرهابية كلها متحالفة في غرفة عمليات داخل العمق العربي متمثل بدولة قطر وسياستها التآمرية. لقد كشفت الأزمة والعقوبات العربية على الدوحة حقيقة هذا الوكر المعادي الذي يحرسه الضباط الأتراك والحرس الثوري الإيراني جنبا إلى جنب من الخطر العربي.
أصدرت محكمة فيدرالية أميركية في مانهاتن حكما الخميس قضى بمصادرة بناء من 36 طابقا في الجادة الخامسة بعد اعتباره تابعا بشكل غير مباشر للسلطات الإيرانية. وقال جون كيم المتحدث باسم النائب الفيدرالي العام في القطاع الجنوبي لولاية نيويورك إن البناء سيباع ويعود ثمنه إلى صندوق خاص للتعويض عن ضحايا اعتداءات إيرانية. وتقدر قيمة البناء بمليار ونصف دولار.
من جهتها هاجمت سفيرة الولايات المتحدة نيكي هيلي مجلس الأمن لتقاعسه عن الرد السريع ضد انتهاكات إيران للقانون الدولي، وذكرت الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالاسم. هذا الرجل وغيره من جنرالات إيران ينتهكون القانون الدولي بزعزعة استقرار المنطقة، وهم من الممنوع عليهم السفر خارج بلادهم إلى العراق وسوريا وغيرها وممارسة نشاط من هذا النوع. يقابل ذلك كله إصرار واشنطن على دعم الأكراد لتحرير مدينة الرقة من الدواعش وتسليحهم وتقديم مكافآت سياسية لهم ويلقى هذا الأمر ارتياحا عربيا أيضا. الأكراد كابوس لتركيا وإيران معا.
يبدو أن قطر في ورطة كبيرة فكل حلفائها يغرقون بالمشاكل وتضعهم الولايات المتحدة تحت المجهر. لا إيران في وضع يسمح لها بمساندتها، ولا تركيا تستطيع تشجيعها أكثر على زعزعة الاستقرار وممارسة المزيد من الخيانات للعرب.
المخرج الوحيد لقطر من أزمتها هو الإصغاء لهذا الهدوء السياسي الذي تهيمن عليه الرياض هذه الأيام. هدوء السيد القادر المحتكم. على الدوحة أن تعتبر وتتراجع وتقبل بجميع الشروط وتتخلص من الغرور والمناورة. كل مَن بدأ السعودية بعدوان عبر تاريخها رأينا مصيره جيدا. وعلى الدوحة أن لا تكابر وتهدد الرياض بمصير صدام حسين وخيمة صفوان فهذا كلام خامنئي ودعاية صفوية لأن السعودية أذكى بكثير من أمثال حمد بن جاسم وصدام حسين.
كاتب عراقي
أسعد البصري