إسلاميو العراق.. التضامن مع الدوحة! بقلم: رشيد الخيّون
بدلاً من البحث عمن تورط في الدم العراقي، والمساهمة في محاصرة الإرهاب، زار الإخواني والعضو القيادي في الحزب الإسلامي، ورئيس البرلمان سليم الجبوري الدوحة، زيارة تضامن وتطمين في أوج الأزمة.
كتب عدنان حسين نائب رئيس تحرير «المدى» البغدادية: «لن يفعلها أحد عندنا بأن يستثمر العلاقات مع السعودية ودول الخليج التي للتو قطعت علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر، ليسأل حكومات هذه الدول عن الوثائق الموجودة بين أيديها، والانكباب عليها لرفع قضية ضد حكومة قطر أمام المحكمة الجنائية الدولية» (الدم العراقي الرخيص جداً، المدى 6/6/2017).
فبدلاً من البحث عمن تورط في الدم العراقي، والمساهمة في محاصرة الإرهاب، زار الإخواني والعضو القيادي في الحزب الإسلامي، ورئيس البرلمان سليم الجبوري الدوحة، زيارة تضامن وتطمين في أوج الأزمة.
يعرف العراقيون ما كانت تلعبه قناة «الجزيرة» القطرية من التحفيز على عمليات الإرهاب بعنوان «المقاومة»، تستهل نشراتها بأخبار التفجيرات الكارثية على أنها «مقاومة». كانت شبه متفرغة للعراق، قبل أن تُشغل بالدفاع المستميت عن إخوان مصر، حتى ظن العِراقي أنها فضائية الزرقاوي (قُتل 2006)، وكان قتله يوماً شديداً عليها. ففي ذلك اليوم كتبتُ مقالاً تحت عنوان: «الحزانى على الزرقاوي» (الشرق الأوسط 9/6/2006)، وكانت فروع «الإخوان» قد نصبت خيام العزاء به.
نتذكر طرد «الجزيرة» من قِبل الناخبين العراقيين (2005)، ولم يكن هذا التصرف سبقه تحريض ضدها، إنما أمسى العراقي لا يحتملها. كان الدور أن تقوم القناة بمهمة التعبئة للإسلام المتطرف وحمله إلى السلطة، ونشر بيانات انتصاراته، والحرص على حضوره. طبعاً على الجانب الآخر كانت حرب النجف (2004) مستعرة، يقودها أحد الذين أصبحوا الآن من القادة (العظام)، بعد أن طُورد بتهمة الإرهاب، لكنه عاد من مخبئه بإيران عضواً في البرلمان، ليصبح أحد الأعيان، وآخر طورد أيضاً بتهمة الإرهاب، فعاد على رأس ميليشيا تتحكم بلا قيود.
ما زالت الذاكرة حية، والشهود أحياء، على أفاعيل فضائية «الجزيرة»، في الشحن الطائفي، والحث على العنف، فلا يُستبعد ما أشيع آنذاك، على عمل مشاهد مسرحية لاستهلال عمليات إرهابية، لفتح شهية الإرهابيين، كان ذلك قبل دخول الجماعات الإرهابية، زرافات ووحدانا، عبر الحدود السورية.
لندع الماضي، مع ما فيه من جراح، لكن ما مصلحة العراق في أن يتضامن مع الدوحة، في أزمتها الحادة مع بقية بلدان الجزيرة والخليج؟ مع أنه من السياسة أن تُستغل الفرصة، كي يقف العراق على حقيقة من ساعد على خساراته الجسيمة في الأرواح والأموال، لا أن يُسارع إلى الدخول في الأزمة بأزمة.
لا يُلام العراق إذا اتخذ موقف الحياد، لكن يُلام عندما يتعدى إلى التضامن مع الدوحة، والمواجهة معها، على ما يبدو، لا رجعة فيها، إذا لم تتوقف عن دعم الجماعات المتطرفة، لكن من أُرسل إلى الدوحة كان أحد «الإخوان»، وتم الاستقبال متزامناً مع الإعلان عن زيارة الأمير ليوسف القرضاوي، وكأن العراقيين أصيبوا بالزهايمر، كي يذهب رئيس برلمانهم، بصفته الرسمية ودوافعه الإخوانية، لُيضفي على تكريم القرضاوي، شكراً لما صرح به وأفتاه ضد العراقيين، في السنوات العجاف.
ما نعتقده أن زيارة الإخواني الجبوري للدوحة تمت بتوجيه إيراني وتركي، فنظاما الإسلام السياسي، لا يعجبهما فضح الأدوار. نحن مع توطيد الصِّلات بالجار الجنب والبعيد، لكن لا يكون عبر صفقة سوداء، كالتي جرت بصفقة الصيادين القطريين، دولتان تتفاوضان مع مليشيا داخل العراق، ورئيس جمهورية ورئيس وزراء العراق حتى لم يُقبل بهما شهوداً. لا تستخفوا بعقول الناس، ولعبدالله الخوارزمي (نزل بغداد 510هـ): «من ظن أن عقول الناس ناقصة/ وعقله زائد أزرى به الطَّمعُ» (الحموي، معجم الأدباء).
ليس عندي ما أختم به أكثر مما ذَكَّر به عدنان حسين بحرص، يوم تحولت الشكوى من النظام السوري إلى التضامن معه، وضاعت حقيقة التفجيرات الكارثية، بشعار «أتيناكِ يا حلب»، وبأسراب من الشباب عاد الكثير منهم جثامين دفاعاً عمَّا سمي بـ«الممانعة»، ولا نعلم ممانعة عن ماذا؟ وتنور الدم العراقي يفور، كتب حسين: «أُعيد إلى الأذهان موقف الحكومة السابقة التي أعلنت غير ما مرة عن توفّرها على وثائق تثبت تورط نظام بشار الأسد في تقديم تسهيلات لوجستية لتنظيم (القاعدة)، وفلول نظام صدّام، من أجل القيام بعمليات إرهابية داخل العراق، وبين تلك التسهيلات فتح معسكرات التدريب على الأراضي السورية، ومرور العناصر الإرهابية وأسلحتها ومعدّاتها إلى العراق عبر سوريا، بل إن تلك الحكومة أعلنت عن عزمها التقدم بشكوى إلى مجلس الأمن ضد النظام السوري، لكن بعد اندلاع الانتفاضة السورية في 2011 أغلقت حكومتنا فمها إرضاءً للجار الإيراني».
وكما نعلم فولاء الإسلام السياسي عميق، وورطته مُحكمة بين الجارين الشرقي والشمالي، «وإن من السادات مَن لو أطعته/ دعاكَ إلى نارٍ يفورُ سعيرها» (الجاحظ، الحيوان)، لكنكم تجرون وراء ورطتكم بلاداً ظمئت للحياة بلا دم.
رشيد الخيّون