المشروع السعودي ومستقبل بغداد / أسعد البصري
السعودية تريد ترتيب البيت العربي ضمن رؤية عربية بالتنسيق مع البيت الأبيض، وهذا أهم لديها من تغيير نظام الحكم في طهران. ترتيب اليمن وسوريا والبحرين وليبيا والعراق شأن عربي.
إشاعة جديدة للإخوان المسلمين عبارة عن تسجيل للكويتي عبدالله النفيسي يقول فيه كانت هناك محاضرة في نيويورك برعاية لجنة العلاقات الخارجية الأميركية عام 1992. توقعت ألا تكون هناك سوى ثلاث دول خليجية بحلول 2025؛ اليمن وعمان والسعودية. يقصد اتحاد باقي دول الخليج بالسعودية.
من المعروف أن الملك عبدالعزيز بن سعود حين وحّد الجزيرة لم يستطع الوصول إلى ما اعتبره الحدود الطبيعية لدولته بسبب وجود الإمبراطورية البريطانية. وقد اشتكى ضباط أميركان كبار مؤخرا في البنتاغون من عدم وجود تنسيق عسكري بين الدول الخليجية. بمعنى أن مجلس التعاون لا يمتلك وحدة عمليات عسكرية أو اتفاقا دفاعيا مشتركا. كل دولة خليجية تفضل القيام بشأنها الأمني بنحو منفصل.
لقد سمعنا من قبل عن مشروع الوحدة الخليجية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهذا شأن راجع لدول الخليج العربي. كل دولة لها حساباتها المتعلقة بمستقبلها وأمنها، خصوصا أن التحول الصناعي السعودي يحتاج إلى تعاون كبير من دول مجلس التعاون.
وكما نشرت في دراسة سابقة في هذه الصحيفة، فإن التحول الصناعي السعودي يحتاج إلى الغاز القطري. وهذا في مصلحة قطر والسعودية معا. الثابت أن آل سعود “صقارو الجزيرة” لقرن كامل حافظوا على أمن الخليج، ولم يهددوا أي دولة مجاورة بل دافعوا برجالهم عن الكويت حين اعتدى عليها صدام حسين، في حين أن مشاريعهم تتم دائما وفق المواثيق الدولية.
بدورهم، الإخوان المسلمون منهمكون في إثارة الفتن بعد أن تحولت “درّتهم الثمينة” قناة الجزيرة من مول تجاري ضخم إلى حانوت صغير لبيع السكاكر الرخيصة، لا أحد يجازف بالظهور فيها بعد أن صارت قناة مشبوهة. المحللون السياسيون يتجنّبون زعل تحالف السعودية وعيون الصقور العربية تسجل كل متعاطف مع الإرهاب.
السعودية تريد ترتيب البيت العربي ضمن رؤية عربية بالتنسيق مع البيت الأبيض وهذا أهم لديها من تغيير نظام الحكم في طهران. ترتيب اليمن وسوريا والبحرين وليبيا والعراق شأن عربي. مسألة لا تخص إيران ووجود مصر يساعد في هذا المشروع القومي.
لمواجهة المشروع الإيراني المتغول، لا بد من تلاحم دول مجلس التعاون. لا يمكن لقطر والإخوان أن يهدّما هذا الاتحاد المصيري. هناك موقف أميركي قوي وواضح لدعم الرياض في مكافحة الإرهاب والتوسع الإيراني. الشعوب العربية المذبوحة بسكين إيران لا يمكنها إلا أن تجد الحل في الالتفاف حول مشروع يضمن لها البقاء.
اليمني مهدد من الحوثي، والسوري أبادت مدنه ميليشيات إيران ولبنان، والسني العراقي صار مشروع عذاب دائم، والبحريني ليس عنده خيار إزاء أطماع جار السوء هذا. إذن لا مفر من التفاف حديدي حول مشروع حقيقي مناوئ لمصدر مآسيهم. كانت لغة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير واضحة حينما سألوه عن تقارب قطر مع إيران، إذ قال إن الذي يتقارب مع طهران إنما يفعل ذلك على مسؤوليته ويتحمل تبعات ذلك، وهذا القول ينطوي على تهديد بيّن.
من جانبها، خصصت إيران ميناء بوشهر للتبادل الاقتصادي مع قطر وصارت تستقبل منها رحلات طيران إضافية يوميا في محاولة لمد جسر حياة للإمارة المأزومة. وفِي استعراض للقوة، يشيّع آلاف الإيرانيين من الحرس الثوري ضحايا الهجومين على طهران مرددين شعار “الموت للسعودية”.
العراقيون متحمسون للمشروع العربي الجديد، فقد سخر أهالي الشرقاط مؤخرا من مشعان الجبوري الذي عرض على الدوحة إرسال عشرة آلاف مقاتل لحمايتها من “الغول السعودي”، إذ شن الدواعش هجوما واسعا قبل يومين على مسقط رأس مشعان نفسه. السؤال الآن أين جنوده المزعومون، لماذا لا يحمون بيوتهم وبناتهم أولا؟
سنة العراق منقسمون ويفتقرون إلى قيادة وطنية ويريدون دعما من العرب. لكن لماذا يدعم العرب أمثال سليم الجبوري أو مشعان الجبوري؟ لا بد من كادر جديد بتوجهات عربية واضحة. على الساحة نجد أن الدبلوماسية السعودية هي عربية براغماتية لا تنطلق من الأوهام بل من المصالح، يديرها خبراء يعرفون ماذا يفعلون.
هناك مصطلح أطلقته القيادة القومية العراقية سابقا على الخمينية “الريح الصفراء”. وها نحن منذ 2003 إلى اليوم نرى غبار الريح الصفراء. على السعودية أن تتعامل بحصافتها مع هذه الريح الصفوية. لقد مرت عهود كثيرة على العراق ولم يأتِ العهد الذي يحلق فيه الطير في السماء وتنزل السحالي تحت التراب. ما يجري اليوم هو أن السحالي تطير في سماء العراق.
الجزيرة العربية أرسلت ملكا شريفا هاشميا أسس الدولة العراقية وبنى بغداد ونصب دبلوماسيا عبقريا مثل نوري السعيد لهندسة سياسة العراق الخارجية. ماذا فعلنا؟ ذبحنا عائلته وَذُرِّيَّتِهِ وأحرقنا مُلكه بتحريض شيوعي من روسيا. بينما أرسلت إيران إلينا السيستاني فنصب على البلاد شلة حرامية يحكمونها بالخرافات والفساد وللسخرية فإن العراقيين مازالوا يعبدونه ويعبدون ذرّيته.
ومؤخرا أرسلت الرياض لبغداد ثامر السبهان وهو دبلوماسي متمرس. بدلا من أن نلتف حوله ليخلصنا من التغول الفارسي، طردناه وهددنا حياته ونكدنا إقامته ببغداد لأنه ينتقد إيران والميليشيات.
أحلام إيران تبخّرت في المنطقة بتحرك السعودية ضد الإخوان وقطر. فقد بدأ الملك بحصار قلعة الخيانة وحصان طروادة. كانت الميليشيات تظن أن خلق داعش ثم قتاله سيجعل منها منقذا للعالم من الشرور، وتأتي أديل وسيلين ديون والليدي غاغا يغنين في معسكرات الحشد الشيعي كما كانت المطربات العالميات يغنين في معسكرات الحلفاء لأجل الجنود الذين دحروا النازية.
ذهبت أحلامهم أدراج الرياح بتصنيفهم جماعة إرهابية تشارك في هدم المدن في بلادها وتشرّد شعبها. صدام حسين على حماقته حكم نحو 40 عاما لم تسقط في عهده مدينة ولم يطلب مساعدة خارجية في تمرد داخلي.
البعث العراقي كان علمانيا في الثمانينات من القرن الماضي وكل الخليج والعرب وأميركا معه لصد العدوان الخميني. الحجاب شبه ممنوع ومعظم البنات سافرات. الحفلات والغناء بكل محافظات العراق والبلاد في حالة حرب.
كان حكام بغداد الحاليون معارضة يحمل بعضهم السلاح ضد العراق، متحالفين مع حزب الدعوة والمجلس الأعلى والخميني الذين تتضافر جهودهم لتصدير الثورة الإيرانية إلى دول المنطقة. يريدون حكما شيعيا للعراق لأن البعث نظام عفلقي كافر. كيف أصبح السنة اليوم متطرفين دينيا في حين لبست أحزاب إيران ثياب قادة التنوير وحرية المرأة؟ أي مهزلة هذه؟
شتاء عام 1983 وفي درس التاريخ على الساعة الثانية ظهرا، دخل المدير البعثي الأستاذ جواد صندل فرأى فتاة مـحجبة قال لها إن الدولة لا تشجع اللباس الديني. بعثي “شيعي” والفتاة نازحة “سنية” من مدينة الفاو بسبب الحرب مع إيران. خلعت الفتاة حجابها مثل بقية البنات. الآن عملاء الخميني عام 2017 يريدون تعليم العروبيين القدامى العلمانية. شيء مؤسف أن عداوة صدام حسين الغبية للغرب بعد احتلال الكويت مكنت “الهنود الحمر” من بغداد.
فليخبرنا علمانيو اليوم الصفويون، بدلا من مهاجمة الرموز القديمة في الدين لدوافع طائفية، ما رأيهم في إعدام عم الخليفة الداعشي أبوبكر البغدادي، الشيخ الإخواني عبدالعزيز البدري عام 1969 وكذلك إعدام مؤسس حزب الدعوة الحاكم اليوم الإمام محمد باقر الصدر عام 1980 على يد البعثيين. البعثيون يعرفون خطورة الإسلام السياسي.
هل يفضلون قطع رؤوس الإسلام السياسي أم هدم الموصل والرمادي والفلوجة وتشريد أهلها كما يجري اليوم في حرب طائفية أثارها أئمة الظلام الذين طردهم وطاردهم البعث العراقي الوطني. البعثيون لم يكونوا علمانيين إلى النخاع فقط، بل كانوا أشجع من اليعاقبة الفرنسيين بفصل الدين عن السياسة بينما اليوم يستمعون لصبيان الملالي يلقون عليهم دروسا في التنوير.
وبالرغم من كل ما يقال عن شعبي العظيم، فإن الواضح على أرض الواقع والذي سيكتبه المؤرخون هو أن سنّة العراق أحرقوا العالم منذ 2003 وأشعلوا الدنيا وسيعودون إلى السيادة قريبا. لم يهدأ الفرات قرب الفلوجة ولا دجلة الخير قرب نينوى تحت نير الحكم الإيراني، فالعراق عربي وسيعود عربيا.