في ذكرى خراب الموصل الثالثة / نوزت شمدين

 

في الوقت الذي تطحن فيه حرب التحرير كل شيء تقريباً في الجانب الأيمن من المدينة، تتأهب فصائل الساسة المخضرمين المسلحة بالازمات لخوض حرب التمسك بالكراسي أو استعادتها. إذ لم تفصح سنوات الدمار المنصرمة عن وجوه جديدة تصل بأدعية التغيير الى سقوف المنازل. هم ذاتهم العلمانيون والمتأسلمون والقوميون والعشائريون مازالوا يمارسون صراع الديكة منقولاً عبر الفضائيات، وينهب صغارهم في أوقات الأستراحة ما تيسر سرقته، حتى وإن كان خبز نازح، أو حبة دواء. أما الكبار فمنتفخة جيوبهم بأموال خارجية تمهد لهم رجوعا مستريحا الى فردوس مشاريعهم من أجل القبض على السلطة وبأي ثمن.

قديماً كانوا فرادا، لاتسمع منهم سوى صياحهم. وأفضل ما ينجزوه رد النقرة بالنقرة. أما اليوم فيقود كثير منهم حشوداً مسلحة ويقفون على خط الشروع بإنتظار أن تعلن بغداد تحرير الموصل ليتسابقوا من اجل مسك أكبر مساحة ممكنة من الأرض وليس مهماً لأي منهم ما بقي فوقها.

وفي هذا الوضع المزري الذي ينبئ بقادم ربما يكون أكثر ظلاماً ودموية، بإحلال المافيات وعصابات (البزنز) محل الجماعات الدينية المسلحة لأكمال مشروع تمزيق المنطقة. ينبغي على المثقفين وأصحاب الكفاءات والخبرات الإضطلاع بمسؤولياتهم فالتجربة المريرة السابقة أثبتت بأن الخطر لن يتجاوز المرء إن أغلق الباب على نفسه وفكر فقط بتأمين راتب وظيفته الشهري أو دخل دكانه. فالإتكال والإنعزال والقعود لنقد الآخرين دون فعل سيجعل مما جرى في حزيران 2014 مناسبة دورية تحدث ربما سنوياً.

أول شيء ينبغي فعله هو أخذ المباردة من رجال الدين بتوجيه المجتمع وإرشاده نحو الخلاص الدنيوي بدلاً من أجترار قصص حدثت قبل مئات السنين ولم يبق منها بسبب الفوارق الحضارية شيء يرتفع به شبر بناء. وطبعا لا اعني بهذا الثوابت التي أتمسك بها شخصياً، إنما الزوائد والاجتهادات الخرافية التي فقس عنها إرهاب داعش.

وتكثيف العمل في المؤسسات التربوية والتعليمية لقشط ما ترسب في العقول وضبط إنفعالات ما بعد الإحتلال والحرب. وخارجها تبدو الفرصة متاحة اكثر من أي وقت مضى في ظل وجود وسائل التواصل الإجتماعي المجانية التي يمكن الإستعانة بها لعصف الأذهان وإعادة الأمل الى النفوس، والإشارة الى مواضع الخلل دون يأس أو كلل، كالفساد في المؤسسات الحكومية والدعوة الملحة للتعاون مع جهاز الأمن ورصد الظواهر السلبية بمختلف اشكالها وأصنافها ليتم معالجتها وتدارك نتائجها. نعم الأمر يتطلب جهداً مؤسساتيا كبيرا، وهنا يجب أن لا ننسى بأن من يدير او يعمل في هذه المؤسسات هم بالأصل مواطنون وبأيديهم أن يغيروا لو أرادوا، كما ان المواطن ذاته ستكون له فرصة كبيرة لمزاولة فعل إيجابي متخلياً عن سلبيته القديمة.

لو امسكنا بتلابيب الحلول من جميع اطرافها، وتحملنا المسؤولية بوعي، ستتسع مساحة الأمن مما يعني دوران عجلة الأقتصاد وتقليص حجم البطالة ولن تكون هنالك أية ذريعة تنفرج لها ذيول طواويس السياسة، كما لن يظهر عبر صناديق الأقتراع سوى المتوافقون مع طموحاتنا وأفكارنا، اليس الموجودون الآن هم نسخ كاربونية عما نحن عليه أو في الأقل من انتخبهم !.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *