القيادة الأميركية ليست مجانية / كولن باول

 

في أحسن الأحوال، كون أميركا أمة عظيمة يعني دائمًا التزامها ببناء عالم أفضل وأكثر أمنًا – ليس فقط لمواطنيها الحاليين، لكن لأطفالهم وأحفادهم. هذا يعني قيادة العالم للنهوض بقضية السلام، والاستجابة عند وقوع الكوارث وانتشار الأمراض، ورفع الملايين من براثن الفقر، وإلهام أولئك الذين يتوقون إلى الحرية.

يشير اقتراح الإدارة الاميركية، حول خفض حوالي 30% من ميزانية وزارة الخارجية والمساعدات الخارجية، إلى تراجع أميركي، ما يترك فراغًا يجعلنا أقل أمنًا وازدهارًا. في حين أنه قد يبدو من الحكمة، إلا أنه حماقة في الواقع.

هذا الاقتراح سيجلب الموارد لقواتنا المدنية بمعدل ثُلث ما استهلكناه في ذروة عصر رونالد ريجان “السلام من خلال القوة”، كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. سيكون هذا غير مسؤول دوليًا، ويُزعج أصدقائنا، ويُشجع أعدائنا، ويقوضون مصالحنا الاقتصادية والوطنية.

الفكرة القائلة بأن وضع الأميركيين “أولًا” تتطلب الانسحاب من العالم، وهي ببساطة معكوسة، لأن التراجع عنها سيحقق العكس تمامًا لمواطنينا. تعلمت هذا الدرس بالطريقة الصعبة، عندما أصبحت وزيرًا للخارجية، بعد عقد من التخفيضات في الميزانية التي اجتاحت أدوات سياستنا الخارجية المدنية.

افترض الكثيرون أن نهاية الحرب الباردة ستسمح لنا بالانسحاب من العالم، لكن التخفيضات التي كانت تبدو منطقية في ذلك الوقت تعود لتطاردنا مع تزايد التوترات في الشرق الأوسط وأفريقيا وشبه الجزيرة الكورية وأماكن أخرى. لا تتطلب مواجهة هذه التحديات مجرد جيش لا يُعلى عليه، بل أيضًا دبلوماسيين وعمال إغاثة يتمتعون بالموارد الكافية والفعالة والتمكين.

في الواقع، نحن الأقوى عندما لا تكون واجهة أميركا جنديًا يحمل بندقية فحسب، بل أيضًا دبلوماسيًا يتفاوض من أجل السلام، ومتطوعًا في فيلق السلام يجلب المياه النظيفة إلى قرية أو عامل إغاثة ينطلق من طائرة شحن مع ارتفاع مياه الفيضانات.

في الوقت الذي أتعهد فيه باستعراض وإصلاح وتعزيز وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة، فالمقترحات المتعلقة بإلغاء المساعدة الاقتصادية والإنمائية، في أكثر من 35 بلدًا، من شأنها أن ترفع علمنا على نحو فعّال في مواقعنا الاستيطانية في جميع أنحاء العالم، ولكنها ستجعلنا أقل أمانًا.

اليوم، يشهد العالم بعض أهم الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحيّة. مع نزوح أكثر من 65 مليون شخص، لم يكن هناك أبدًا المزيد من الناس الفارين من الحرب وعدم الاستقرار منذ الحرب العالمية الثانية. كما تُعرّض المجاعات التي تجتاح الأسر في جنوب السودان، اليمن، نيجيريا والصومال، أكثر من 20 مليون شخص لخطر المجاعة – وهي مناطق أخرى مزعزعة للاستقرار تتعرض بالفعل لتهديدات من تنظيم داعش والقاعدة وبوكو حرام وحركة الشباب.

هل نريد حقًا خفض دور وزارة الخارجية والولايات المتحدة الأميركية. في مثل هذه اللحظة الخطرة؟ الجواب الأميركي كان دائمًا لا. مع ذلك، أجبرنا هذا الاقتراح على مناقشة ماهية دور أميركا في العالم، وما هو نوع الأمة التي نسعى إلى تحقيقها. وصف وزير الموازنة ميك مولفاني هذه التخفيضات بأنها “ليست انعكاسًا لسياسات الرئيس فيما يتعلق بموقف تجاه الدولة”. لكن كيف يعكس خفض ما نسبته 32% من برامجنا المدنية في الخارج أي شيء سوى تعبير واضح عن السياسة؟

صحيح أن الكثيرين في الكونجرس أعلنوا فعليًا اقتراح ميزانية الإدارة “سينتهي بمجرد وصوله”، لكنهم يعترفون أيضًا بأنه سيحدد لهجة النقاش المقبل حول الميزانية. هذه محادثة خاطئة. لا تقتصر ميزانيتنا في مجال الدبلوماسية والتنمية، على خفض الإنفاق وإيجاد أوجه الكفاءة. نحن بحاجة إلى محادثة صريحة حول ما نسعى نحوه كـ “مدينة مشرقة على تلة”. تبدأ هذه المحادثة من خلال الاعتراف بأننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بدون دفع الثمن.

من شأن أي تخفيضات في استثماراتنا في التنمية الاقتصادية في أفريقيا وأماكن أخرى، أن تقوض قدرتنا على بناء قواعد جديدة للعملاء في أسرع الأسواق نموًا في العالم.

مع 95% من المستهلكين في العالم خارج حدودنا، ليست “أميركا أولًا” التي تفسح المجال للصين الطموحة لتوسيع نفوذها بسرعة، وبناء الطرق السريعة والسكك الحديدية في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا. الصين أبعد ما تكون عن خفض ميزانيتها الإنمائية. بدلًا من ذلك، تزايدت الميزانية بأكثر من 780% في أفريقيا وحدها منذ عام 2003.

منذ إطلاق طلب الميزانية الأولي في آذار، بدأت الإدارة في إظهار نهج أكثر استراتيجية في مجال السياسة الخارجية. هذا أمر مرحب به، لكنه سيتطلب أكثر من مجرد ضربة ضد سوريا، وخط أكثر صعوبة على روسيا، وزيادة الضغط على كوريا الشمالية، وإشراك أعمق مع الصين لتوجيه السياسة الخارجية الأميركية. كما أنها تأخذ الموارد اللازمة لإعطائها.

تكون أميركا كبيرة عندما تكون الدولة التي يُعجب بها العالم، منارة من الأمل وشعبها كريم وعادل. هذه هي الطريقة الأميركية. إذا كنا ما زلنا تلك الأمة، إذًا يجب أن نستمر في تكريس كل 1% من ميزانيتنا الاتحادية لهذه المهمة.

طوال حياتي المهنية، تعلمت الكثير عن الحرب في ساحة المعركة، لكنني تعلمت أكثر عن أهمية إيجاد السلام. هذا ما تقوم به وزارة الخارجية الأميركية والولايات المتحدة الأميركية، وهو منع الحروب التي يمكننا تجنبها، حتى نحارب فقط تلك التي يجب أن نواجهها. من أجل خدمة المواطنين الأميركيين، هذا استثمار يجب أن نقوم به.

نقلا عن نيويورك تايمز

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *