قضية الموصل حلها اقتصادي / نوزت شمدين
خلال زيارة قمت بها مؤخرا الى مدينة (روتردام) في هولندا للقاء أخوة لي هناك، اكتشفت انها كانت قد دمرت بنحو كامل في الحرب العالمية الثانية. فلم يشفع لهولندا إعلانها الحياد في1939 وقرر هتلر غزوها وأحال سلاح الرايخ الثالث روتردام الى ركام في ايار 1940، ولم يسلم من المدينة التي تعد بوابة أوربا غير مبنى واحد فقط، يتعامل معه الهولنديون الآن بنحو مقدس.
دفعني ذلك الاكتشاف الى تتبع المدينة في مرحلة ما بعد التدمير، فوجدت أن الهولنديين ركزوا على الجانب الاقتصادي لإعادة إحياء مدينتهم التي أبيدت تماماً، فأعادوا بناء مينائها الذي كان أصلا قد شيدت المدينة بسببه في القرن السادس عشر، وكانت هذه تفاحة الحياة، فامتد النشاط ليشمل كل مرفق هناك، لتصبح بعد ذلك روتردام أهم مدن أوربا، ومينائها من أكبر موانئ العالم.
لا أريد ان أجري مقارنات بين الموصل ومدن عالمية أخرى دمرتها الحروب، لأن وضع الموصل سيكون وبلا أدنى شك مختلفاً تماماً عن أي مكان آخر في العالم ولأسباب كثيرة جدا لست بصدد بحثها هنا. ما أريد قوله، ان بوسع الموصل وهي التي عرفت على مر تاريخها أرض تجارة، كونها محطة تربط بين اتجاهات أربع، ويمر بها نهر عظيم كدجلة. أن تعتمد الحل الاقتصادي لمعالجة جميع المشاكل الأخرى ألسياسية والأمنية وغيرها، لأنها في نهاية الأمر مرتبطة جميعها بخيط الاقتصاد. وهو ما ركزت قوى الإرهاب على ضربه منذ أول لحية منتوفة ظهرت في شوارع الموصل ولغاية الساعة حيث يتنقل الخليفة المزعوم من جحر الى آخر في حرب طرده وعصابته من الموصل.
لذا فان النقاش بشأن مستقبل الموصل يجب أن لا يدار فقط من قبل رجال السياسة وهم بغالبيتهم الساحقة فاسدون، ولا يضعون أيديهم في أمر إلا إذا كان يحقق لهم مكسباً قبل كل شيء. وإنما يجب ان يكون في هذه المرحلة لأصحاب رؤوس الأموال، من رجال أعمال وصناعيين وتجار رأي وقرار لوضع خطط استثمار وبناء بشراكة محلية أو دولية، والموصل إذا ما توفر لها الأمن ورفعت ثآليل الفساد من مؤسساتها الحكومية، ستداوى جراحها وتدور فيها عجلة الحياة سريعاً، وتعود الى سابق عهدها مركزاً تجاريا واقتصاديا وحضاريا مشعاً.
روتردام، اعتمدت على خيرة إدارييها ووضعت خطط بناء نفذت بهدوء وقطفت ثمارها بعد سنوات قليلة فقط، تحولت فيه روتردام الى مركز تجاري عالمي. وهي نتيجة طبيعية لما فعلته هذه المدينة من خلال الاستفادة من التنوع السكاني فيها، فلم تضع فوارق على أسس قومية أو دينية، ولا قسمت الناس على أسس عشائرية أو عائلية، مدنية أو قروية. والدليل المدهش على ذلك أنني حين سألت سائق سيارة الأجرة المغربي في طريق عودتي للمطار عن الرجل الأول في المدينة التي أبهرني تاريخها وحاضرها، قال لي بلهجة مغاربية مفاخرة : ” إنه واحد مغربي ! “.
بقلم: نوزت شمدين / باشطابيا / متابعة عراقيون