هل يلتحق العراق بالدول المثقلة بالديون؟ / احمد صبري
تعاني الدول المثقلة بالديون وخدماتها من معضلة تتعاظم سنويا بعد تراكم هذه الديون من دون أمل في سدادها، الأمر الذي أدى إلى امتناع الدول الغنية ومعها البنك الدولي من مساعدتها لتجاوز تراكم الديون، وإيجاد مخرج لإنقاذ اقتصاداتها التي باتت على حافة الانهيار.
وامتناع الدول القادرة على مساعدة الدول المثقلة بالديون أدى أيضا إلى فقدان الثقة بالمستفيدين من المساعدات صاحبها قلق من ذهاب المساعدات إلى غير مقاصدها، لا سيما وأن ظاهرة الفساد تتسع وتكبر في الدول التي تعاني الأمرين من هذه الظاهرة.
واللافت في أمر الدول المثقلة بالديون هو خلو اقتصادها من موجبات التعافي وفقدانها لأسس هذه الموجبات لا سيما النفط والسياحة والإنتاج، ما وضعها في خانق البحث عن معجزات لإنقاذ اقتصاداتها.
وتقف في مقدمة الدول التي نتحدث عنها اليونان وبعض الدول العربية والإفريقية والأميركية اللاتينية التي عجزت حتى عن دفع خدمات ديونها السنوية، ما أدخلها في نادي الدول المثقلة بالديون التي تضطر بقبول اشتراطات مذلة مع ابتزاز سياسي لإخضاع اقتصاداتها إلى هذه الشروط التي تتقاطع مع موجبات السيادة والقرار المستقل.
وعندما نتحدث عن نادي الدول المثقلة بالديون فإننا نستحضر حال العراق الذي يطفو على بحيرة من النفط، ويمتلك احتياطيا هو الثاني عالميا بعد السعودية، ويصدر نحو أربعة ملايين برميل يوميا، غير أنه في طريقه للانضمام إلى نادي الدول المثقلة بالديون بعد الكشف عن مديونيته للدول المانحة والبنوك العالمية الذي قدرته اللجنة المالية في البرلمان العراقي بنحو 110 مليارات الدولارات، فضلا عن العجر الحقيقي في موازناته التي تقترب من رقم الديون.
وما يسرع بانضمام العراق إلى هذا النادي تردد المجتمع الدولي في مد يد المساعدة لإنقاذ اقتصاده بسبب تغول ظاهرة الفساد وحيتانه الذين ينتظرون ما يصل للعراق لالتهامه إما بالسرقة أو بالمشاريع الوهمية.
وما يفاقم أزمة العراق المالية استمرار المعارك في الموصل ومناطق أخرى ضد “داعش” وتكلفتها المالية العالية التي لا يقوى الاقتصاد العراقي على حمل أثقالها المتراكمة. كما أن إعادة إعمار وبناء المدن المستعادة من “داعش” هو التحدي الأكبر لصمود الاقتصاد العراقي أمام الأرقام الهائلة لإعادة إعمار البنية التحتية لهذه المدن، ناهيك عن عجز الحكومة عن إغاثة وتخفيف معاناة النازحين الذين يقدر عددهم في عموم العراق بنحو أربعة ملايين إنسان يسكنون الخيام ويفترشون الأرض من دون أمل لحل معضلتهم في ظل عجز حكومي وأيضا أممي.
إن مرحلة ما بعد “داعش” لا سيما وجهها الاقتصادي والمالي خطيرة ستضع العراق على حافة الإفلاس من فرط الديون التي تتراكم عليه سنويا وعجزه عن الإيفاء بالتزاماته أمام الدول التي تساعده.
وهذه المرحلة التي نتحدث عنها دفع بعض الدول الغنية لا سيما بريطانيا إلى اشتراط دعم العراق بإناطة إعمار المدن بشركات بريطانية وأجنبية مخافة من ذهاب أموال الإعمار إلى جيوب المفسدين ومن يحميهم في السلطتين السياسة والقضائية.
وعلى الرغم من أن بريطانيا قد وعدت بتخصيص نحو عشرة مليارات جنيه استرليني لإعادة الإعمار غير أن بعض الدول التي اشترطت لمساعدة العراق تلبية متطلبات وشروط البنوك العالمية المتاحة لا سيما رفع الدعم عن السلع الأساسية للعراقيين، ورفع الأسعار وتخفيضها إلى حد ملامستها لرواتب العاملين في الدولة والمتقاعدين، وهذا ما تخشاه مخافة من ردة فعل الشارع الذي يعاني من الاحتقان السياسي صاحبها ارتفاع غير مسبوق للسلع والحاجات الأساسية لحياته.
إن أمام العراق خيارات صعبة لمواجهة التحديات الاقتصادية ليس أسهلها الاقتراض من الخارج؛ لأنه سيرهن اقتصاده وثرواته لعقود طويلة من دون أمل لتعافي اقتصاده وتفادي دخول الدول إلى نادي الدول المثقلة بالديون التي أصبحت عالة على المجتمع الدولي.
إن الاقتراض الخارجي ليس حلا ـ كما تفعل حكومة العبادي لتجاوز التحديات. لأنه بالأحوال كافة سيعمق سيطرة الشركات الأجنبية على النفط وكلفة استخراجه وتصديره وفقا لمصالحها. كما سيضع الحكومة أمام شروط مذلة وابتزازية من قبل المانحين التي تتقاطع مع حاجات وتطلعات العراقيين بوطن مزدهر يسعد أبناؤه بخيراته من دون أن تذهب إلى حيتان الفساد.