إيران والمالكي والرئاسة / إبراهيم الزبيدي
هذا هو نوري المالكي الذي كان الأولى والأحرى والأقلَّ من القليل في حقه وحق ولده وصهريه وكبار أعوانه الفاسدين المفسدين أن يُلقى القبض عليهم، جميعا، وعلى الفور، وأن يُحاكموا ويُحكموا، على الأقل لتبريد جراح المجروحين، ومواساة أيتام المغدورين.
مقدما ينبغي التذكير بأن نوري المالكي، بأفعاله وأقواله وبشهادة قادة كبار في إيران، هو أكثر فارسية من الفرس أنفسهم، وأشد حماسة لحلم الإمبراطورية الفارسية المنتظرة حتى من قاسم سليماني نفسه.
ولأنه كذلك لم تفكر قيادة النظام الإيراني، مجرد تفكير، بأن ترميه عن ظهرها في أقرب سلة مهملات. وأن تعلن براءتها من تاريخه الملطخ بكل أنواع المثالب والغرائب والعجائب، خصوصا بعد ضربه بالأحذية والحجارة في شوارع البصرة الغاضبة والناصرية وبغداد، لتُصلح ذات البين بينها وبين الشعب العراقي، وبالأخص جماهيرَ المحافظات الجنوبية التي تتشدق بأنها خاصتُها وحزام ظهرها.
بل فعلت العكس. لقد زادت من اعتمادها عليه واستماتت في حمايته وأقالته من عثراته المتكررة وكفت عنه يد القضاء ويد الشعب المنتفض الذي دأب على المطالبة برأسه كل يوم جمعة. وسلمته عصا قيادة حرسها الثوري (العراقي) وخبأته ليومٍ عصيب تتوقع مجيئه في العراق.
أولا لأنها لا تقبل ولا يناسبها ولا يخدم أغراضها أن تعتمد على عراقيين من الرجال المشهودٍ لهم بالوطنية والرجولة والشهامة والأمانة والخلق الرفيع.
وثانيا لأن الذي يقبل بأن يكون مطية لمحتل لا بد أن يكون متحللا من كل مروءة ومن كل كرامة، فلا يستحي أن يقهر وطنه لنصرة محتل، ولا يضيره أن يعيش ويموت وهو طريد ومطلوبٌ للعدالة.
وفي حال صدقت نبوءة كتابٍ زملاء كثيرين وأقدمت قيادة النظام الإيراني على حماقة محاولة إعادة نوري المالكي إلى سدة الرئاسة، بعد كل الذي فعل بوطنه وأهله في سنوات حكمه المريرة، فذلك يعني أنها عميت بصرا وبصيرة، وأنها أدركت أن نهاية احتلالها أصبحت قريبة فتغامر وتقامر، فإما انتصار وإما انتحار، حتى وهي تعلم أنها بنوري المالكي، وبحفنة أمثاله من وكلائها المنبوذين المذعوريين، سوف تحارب بسيوف من خشب وخيول من ورق، وسيشتعل حتى ترابُ الوطن وشجرُه وأحجارُه تحت قدميها وقدميه لا محالة.
والذي يتخيل أن يحدث ذلك، فيمرَّ بسلام، كما مر مثله قبل سنوات، والذي يعتقد بأن يتهاون العراقيون كما تهاونوا مع مثله من قبل، فهو إما واهم أو فيه مسّ من جنون.
يقول زميلنا هارون محمد في صحيفة “العرب” إن نوري المالكي يعمل للعودة إلى الرئاسة عبر اجتماعات وتحالفات واستقطابات سياسية جديدة، سياسيا بـ”حشد أكبر عدد من النواب يتفقون على سحب الثقة من حيدر العبادي وإسقاط حكومته وفق ما يسمى بـ”الأغلبية السياسية”، وعسكريا بتحريكك قوات الحشد الشعبي وتعبئتها بما يؤمّن نجاح انقلابه بعد أن صار، عمليا، هو رئيسَ الجناح السياسي للحشد”.
وهنا نسأل، هل إن كل مَن في البرلمان متآمر ومرتشٍ وسقط متاع ليُحالف شخصا كنوري المالكي؟ وهل كل مَن في الحشد الشعبي خائن وعميل ليقبل بخراب بيوت مواطنيه خدمة لخائن وعميل؟
وكم من العراقيين يجهل من هو المالكي، أو ينسى ما فعل:
*ثبت بالوجه الشرعي الملموس أنه طائفي لآخر نفس، لا يختار مستشارين ومساعدين ومرافقين ووكلاء إلا من طائفة واحدة، بل من حزب واحد، ومن طينة واحدة. وجُلهُم نصابون وشتامون ومختلسون.
*يكفي إعلانُه الشهير المعيب “ما ننطيها”، وتهديد مواطنيه بـ”بحور دم”.
*أصبح نقضُه للاتفاقات والعهود والمواثيق وعدم احترام توقيعه عليها مضربَ الأمثال. وما فعله باتفاقه السرّي مع مسعود البارزاني في أربيل 2010 واحد منها.
*كشف عن قلة أمانة حين عمد إلى تسقيط خصومه السياسيين بتلفيق الملفات والتهم. ألم يعلن أكثر من مرة أنه احتفظ، سنوات، بملفات إرهاب تخص نوابا ووزراء، ولم يُحلها إلى القضاء، حفاظا على سلامة العملية السياسية، كما زعم؟
*أسبغ رعايته الكاملة على أصحاب الشهادات المزورة، وهم بالآلآف، ورفض استرجاع الأموال المختلسة التي حصلوا عليها بتلك الشهادات؟
*تستر على المختلسين، إذا كانوا من حزبه أو من خاصته المقربين، حتى بعد أن أدانهم القضاء، وقام بتهريبهم إلى خارج العراق.
*جعل العراق حديقة خلفية لإيران تتصرف بها كما تشاء، فتنشئ الميليشيات وتسلّح العصابات وتفتعل الحرائق وتفجّر المراقد الشيعية والسنية معا، لإحداث الفتنة وتعميق العداوات بين مكونات الشعب العراقي، خدمة لأهدافها التوسعية. ألم تجفف الأنهار وتغرق الأسواق ببضائعها السيئة، وتجعل سفارتها مرجعا لرئيس الحكومة وللوزارة والأحزاب الدينية الحاكمة؟ ألم ينزع المالكي ربطة عنقه أمام خامنئي تزلفا ونفاقا وتقية؟
*وصف خصومه بأنصار يزيد، وأنصارَه بأنصار الحسين.
*مارست عصاباته شتى أنواع القتل والاغتيال والتعذيب والاغتصاب على الهوية.
*ثم جاءت حربُه العبثية في الأنبار، بحجة محاربة داعش والقاعدة لتبرهن على أنه ليس رجل دولة. لم يعترف بعدالة بعض مطالب المعتصمين التي كفلها الدستور، بل هاجم خيمهم واعتقل واغتال وأشعل حرائق لا تنطفئ بسهولة.
*أقدمت وزارة (عدله)، باعتراف وزيره نفسه، على تهريب أعداد من عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبي غريب، وسهّلت عبورهم إلى سوريا.
*متهم، بإجماع وطني عام بسحب الجيش والقوات المسلحة من الموصل وتسليمها لداعش دون قتال، فكلف الوطن أنهارا من دم وقناطير من مال لغسل عاره في محافظات نينوى والأنبار وديالى وصلاح الدين.
*تلاعب بالقضاء. حتى صار يأمر فيطاع. ألم يحكم القضاء على سياسيين عديدين من خصومه، بتهم الإرهاب أو الاختلاس، ثم يُسقطها نفسُ ذلك القضاء، بعد حين، بأوامر الرئيس أو أحد سماسرته المعتمدين. وما حدث مع مشعان الجبوري ما زال حديث المجالس.
*بعثر المال العام لاعتبارات ومصالح شخصية خالصة، فتبرع لدول مجاورة بنفط أو بمئات الملايين من الدولارات دون إذن من أحد أو مشاورة مع أحد.
*غض النظر عن تهريب السلاح والمسلحين من إيران إلى سوريا، وأرسلَ، هو نفسه، الميليشياتٍ الطائفية إلى سوريا لحماية عرش حليفه وحليف وليّ نعمته الإيراني، الأمر الذي أطال أمد الحرب وزاد من تعقيدها، غير عابئ بما يشكله ذلك من مخاطر مستقبلية على أمن العراق نفسه، في الغد القريب والبعيد.
*لم تتوقف حملات الاعتقال المتكررة في بغداد ومدن المحافظات الأخرى، شيعية وسنية، والتي تنتهي دائما باختطاف مواطنين تظهر جثثهم بعد ساعات أو أيام في مكبات النفايات أو على الأرصفة.
هذا هو نوري المالكي الذي كان الأولى والأحرى والأقلَّ من القليل في حقه وحق ولده وصهريه وكبار أعوانه الفاسدين المفسدين أن يُلقى القبض عليهم، جميعا، وعلى الفور، وأن يُحاكموا ويُحكموا، على الأقل لتبريد جراح المجروحين، ومواساة أيتام المغدورين، وتحصيل ما يمكن تحصيلـُه مما اختلسه من مال.
وإذا كانت قيادة النظام الإيراني تراهن على عودته إلى السلطة، حتى وهي تعلم أن ذلك لن يتم إلا بإشعال الحرائق في جميع حواضر الوطن وفي بحورٍ من دمٍ ودموع، فإن على أصحاب الوطن العراقي الشرفاء أن يُعدوا ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل لمنع حدوث هذه المحرقة ولنزع فتيل هذه المفخخة قبل فوات الأوان.
كاتب عراقي
إبراهيم الزبيدي