العراق.. مصائب قوم عند قوم فوائد / إبراهيم الزبيدي
في عراق ما بعد داعش وفي سوريا ما بعد جنيف، لن يعود ممكنا ولا مقبولا حكم الميليشيات الإيرانية التي لا تختلف عن داعش إلا بأقل القليل.
يبدو أن قادة النظام الإيراني أنفسَهم، ووكلاءهم العراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين، بدأوا يستشعرون قرب نهاية عصرهم الذهبي. فهاهم، جميعا، يهددون بمقاتلة القدر المحتوم، والانتصار عليه.
وكما ترونهم. لا يتخلون عن أوهامهم وغرورهم وغفلتهم وقصورهم عن فهم حقائق التاريخ والجغرافيا حتى وهم يرون الدنيا الغدارة تحركها المصالح، ومصالحَ الرؤوس الكبيرة تتغير معهم، وعليهم، من مساند أو مشجع، أو “مطنش”، إلى راغب في وضع نهاية لعبثهم في المنطقة، ومصمم على وقف هذه اللعبة الدامية التي انتفت الحاجة الدولية، والأميركية بوجه خاص، لاستمرارها.
مقدما ينبغي التوافق على أن النظام في إيران حبس نفسه وقيد حاضره ومستقبله بأمرين اثنين، الأول يسند الثاني، والثاني يمنع الأول من السقوط. كما جعل الاثنين، معا، ضمانته الوحيدة لبقائه في الحكم في إيران ذاتها. فكثيرا ما اعترف قادته، بدءا بالمرشد الأعلى وانتهاءً بأصغر معمم في حرسه الثوري، بأن إشعالهم الحرائق في العراق وسوريا، بشكل خاص، هو دفاع عن حياة نظامهم نفسه في إيران ذاتها.
من هنا يمكن فهم دوافع القلق الذي يستشعره النظام الإيراني من تحركات وتحالفات مريبة، حكومية وشعبية، أميركية وأوروبية وعراقية وسورية ولبنانية وفلسطينية ويمنية وبحرينية وإماراتية وسعودية، لمواجهة التطرف الإسلامي الشيعي والسني، على السواء، واجتثاثه من جذوره، وإراحة المنطقة التي لم تعد تحتمل المزيد.ففي عراق ما بعد داعش وفي سوريا ما بعد جنيف، لن يعود ممكنا حكم الميليشيات الإيرانية التي لا تختلف عن داعش إلا بالقليل. وأي خروج حقيقي ونهائي لإيران من سوريا لا بد أن يعجّل بخلاص العراق والمنطقة، من وجع الرأس الذي لم يعد يُحتمل. كما أن خروجها من العراق ومن سوريا لا بد أن يُشعل، بالتتابع، نفادا لصبر الملايين المحبَطة في إيران قد يُنهي عمر النظام في آخر المطاف، خصوصا إذا قدّرنا حجم الضعف الذي يخفيه النظام بمظاهر قوته غير الحقيقية.
فقد حذر الجنرال محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني من أن نظام بلاده على وشك الانهيار من الداخل بسبب الفساد وسوء إدارة البلاد، وتفشي ظواهر الاختلاس والسرقات المليونية للمسؤولين، وانتشار المحسوبية والرشاوى وضعف مؤسسات الدولة. وقال رضائي إن على “مسؤولي النظام أن يلتفتوا إلى الداخل بقدر ما يولون أهمية لتوسيع النفوذ الإيراني في الإقليم”. وذلك في كلمة له الاثنين الماضي، بمدينة لنجان بمحافظة أصفهان، بحسب ما جاء في موقعه الرسمي على الإنترنت. وأكد أنه “قد تبدو دولةٌ ما قوية، لكنها عمليا على وشك الانهيار من الداخل”.
ثم يعترف قائد حرس الثورة في محافظة قم غلام رضا أحمدي، بأن “خط المواجهة بين إيران وأميركا اليوم قد انتقل إلى حلب والموصل وسامراء وتكريت والرمادي”.
ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء قول العميد أحمدي إن “على العدو الذي يروّج للحرب أن يعلم بأن الحروب الجارية في المنطقة اليوم هي امتداد للحرب المفروضة على الشعب الإيراني منذ 37 عاما”. وأكد أن “قوات الحشد الشعبي هي قوتنا الضاربة ضد التواجد العسكري الأميركي في العراق”، وأن “العراق تحت الهيمنة العسكرية والأمنية الإيرانية، والولايات المتحدة تعلم بذلك جيّدا”.
ولا يتأخر وكلاء النظام الإيراني العراقيون عن التلويح بالانتقام من المتآمرين. فقيس الخزعلي، أمين عام تنظيم عصائب أهل الحق يعترف بوجود “مؤامرة تحاك لما بعد تحرير الموصل”. وقال، وفقا لما نشره موقع الحشد الشعبي الرسمي، “اليوم نشهد المؤامرة الأخيرة، بعد أن فشلت جميع المحاولات السابقة، وهي مرحلة ما بعد تحرير الموصل، والمتآمرون يواصلون اجتماعاتهم تحضيرا لمرحلة ما بعد داعش. ولكن السحر سينقلب على الساحر”.
أما البروفيسور، داوود هرمیداس باوند المستشار السابق لوزير الخارجية الإيرانية، في مقال نشرته صحيفة “شرق” الإيرانية فقد تنبّأ بـ“تهميش إيران في سوريا، وبأن آلية اتخاذ القرارات ستؤول في نهاية المطاف لروسيا وأميركا وتركيا”. وقال “كل جهود الروس واهتمامهم منصب على تحقيق انتصار لأنفسهم في الملف السوري”. واستطرد “لكن روسيا تعرف أن هذا لن يتم إلا بموافقة أميركا”. وأميركا ترامب اليوم غير أميركا أوباما الأمس، وهذا يعني الكثير.
وأوضح باوند أن “الإدارة الأميركية أخذت وحدها مبادرة فرض عقوبات على إيران، ومن المحتمل أن تقوم بتطبيق المزيد من العقوبات، وسوف يترتب على ذلك ابتعاد دول العالم، ولا سيما الأوروبية، عن الاستثمار في إيران خشية من تلك العقوبات”.
وأضاف “إذا استمرت السياسة الراهنة لأميركا تجاه طهران، فلن يتم الاستثمار الأجنبي في إيران التي لن تنجح أيضا، من جرّاء ذلك، في استيراد التكنولوجيا التقنية من الخارج، كما كنا نتوقع بعد الاتفاق النووي، لأن الأوروبيين يراعون ملاحظات واشنطن أكثر ويمتنعون عن تنفيذ بعض استثماراتهم في إيران”.
من ناحية أخرى أعلن مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، في كلمة ألقاها في منتدى فالداي عن “ضرورة تشكيل هياكل حكم تضم ممثلي الحكومة السورية والمعارضة الوطنية، مؤكدا أن النظام في سوريا يجب أن يكون علمانيا، وليس سنيًا أو علويًا أو أي نظام آخر”. ورفض بوغدانوف المخاوف بشأن سعي إيران إلى البقاء في سوريا وفرض سيطرتها عليها، قائلا “لدينا نتائج معترف بها دوليا في إطار فيينا لمجموعة دعم سوريا بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا والصين وتركيا وإيران والعرب، وتم تأكيدها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
وأخيرا يمكن استخدام بيان “ناري” أصدره حزب الدعوة العراقي حول مشروع ترامب (إعادة إعمار العراق مقابل النفط)، لقياس درجة سخونة إيران ووكلائها المعتمدين. فقد أفاد بأن “التعامل مع مشروع ترامب (إعمار العراق مقابل النفط) هو خيانة للشعب العراقي ولأجياله اللاحقة”. و“إن هذا المشروع هو احتلال أبدي للعراق، وإعادة لمظاهر مخلفات الجيش الأميركي الذي ارتكب مجازر لا تقل عن مجازر داعش بحق العراقيين”. وحذر بيان الحزب ترامب من المضي في هذا المشروع، “لأنه سيجعل الجيش الأميركي الذي سيقوم بحماية الشركات المشاركة في مشروعه يواجه نيران الحشد الشعبي التي ستعتبره محتلا تجب مقاومته”.
أما نحن، عراقيين وسوريين ولبنانيين ويمنيين وبحارنة وإماراتيين، فمن حقنا أن نتفاءل، وأن نتأسى بقول أبي الطيب المتنبي “بِذا قَضَتِ الأَيّامُ ما بَينَ أَهلِها * مَصائِبُ قَومٍ عِندَ قَومٍ فَوائِدُ”، وبقول أحمد شوقي “إن المصائب يجمعن المصابينا”.
كاتب عراقي
إبراهيم الزبيدي