لماذا يتبنى الإرهاب الإيراني شعار داعش في البقاء والتمدد حامد الكيلاني
إيران تستشعر حماسة دونالد ترامب لمحاربة الإرهاب الإيراني الشامل، وهي جادة في تعجيل الصدام الذي تتوقعه أن يكون بضربة محدودة؛ لأجل استثمارها في ثوابت مشروعها في المنطقة.
أحد قادة الميليشيات التابعة للحشد الشعبي رفع شعار تنظيم داعش، وقال إن الحشد باق ويتمدد ولن يلغى أبدا، في رد على مطالب بإلغاء القانون الذي تم بموجبه التستّر على سلاح الميليشيات ودمجه مع سلاح الدولة وتوفير غطاء لدوره العسكري والسياسي في مستقبل العراق.
تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يهددنا بأنه باق ويتمدد، كذلك تفعل جمهورية إيران الإسلامية “جايس” وحرسها الثوري وميليشياتها وتهددنا بأنها باقية وتتمدد.
حزب الدعوة وحكومته في العراق يرفعان شعار “قادمون يا نينوى”، وهو ذات الحزب بحكومته التي كان يقودها آنذاك زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، وتتهم منصات التظاهرات لرفعها شعار “قادمون يا بغداد” وتعتبره شعارا استفزازيا وطائفيا للـدواعش؛ وكما يبدو فـإن الشعارات توحدهم والغايات والأهداف، والصراع حتما سيؤدي إلى نتائج محددة ومرسومة على طاولة المشاريع وتبادل المنافع والأدوار والتكتيك.
الإرهاب الإيراني يعمل على طريقة حرق المراحل، تماما كإطلاق الصواريخ الباليستية حيث يحترق جزء منها، لتبدأ مرحلة انطلاق أخرى لإنجاز السرعة النهائية. عندما نقول الإرهاب الإيراني فنعني به كل التنظيمات الإرهابية ومنها داعش. الإثباتات بالتعاون صارت متداولة ويومية ومدعّمة بالوثائق، وشهادات ميلاد تلك المجموعات توافق احتلال الروس أو السوفييت لأفغانستان، وهو العام الذي وصل فيه الخميني إلى السلطة في إيران وبداية عصر الإرهاب ودمار المنطقة.
عنصر المناورة هو سياسة محورية في صلب العمل السياسي وهي نهج اختبارات وبالونات رصد اعتمدتها ولاية الفقيه ومقلدوها، ونوري المالكي نسخة مختومة وموثوقـة بتاريخه وأفعاله، ولا نقصد التاريخ الشخصي والثقافي لأن ذلك يعني اصطداما مروّعا ومباشرا بكل إنجاز حضاري وتقدمي حققه العراق في مسيرته الطويلة؛ لكننا عندما نستمع إليه وهو يعترف بفشل العملية السياسية بمختلف قادتها، ولا يستثني نفسه ويقدم لأهمية إعطاء الشباب دورا في الانتخابات القادمة لقيادة العراق. الاعتراف هنا تحويلة مؤقتة ومفاجئة، يراها بعضهم نضجا في الوعي السياسي ونتيجة منطقية لإيقاع المتغيرات الكبيرة؛ دراماتيكية لا تتناسب مع سلوك ومهمات الرجل الأول لدولة الإرهاب الأولى في العالم.
طروحات نوري المالكي تلتقي مع دور الحشد الشعبي وخطاب أحد قادة ميليشياته الذي توعد ساسة العراق برميهم خارج الحدود بعد الانتخابات القادمة؛ أي أن الحشد، كما يقول، باق ويتمدد في مفاصل الأمن والسياسة والدولة العراقية، ولن يقتصر على صناعة نقطة سيطرة لمنع مرور تنظيم داعش في البقاء والتمدد، إنما سيكون فعلا على الأرض يجسد مقولة المالكي الذي مهد في العام 2014 وقبلها إلى القبول بخطيئة الفتوى الطائفية التي غيّرت وجه العراق وأدخلته في نفق الاحتلال الإيراني بالقوة الغاشمة، وقانون بمثابة سكين أو مقصلة لكل الأصوات، حتى لو كانت مدبلجة، التي تتحدث عن عراق مدني.
بعد داعش وقبله، الأمن الداخلي يتدحرج إلى صلاحيات تابعة للحرس الثوري العراقي المسمىّ هيئة الحشد الشعبي، والأمثلة في الحياة اليومية من البصرة إلى بغداد، إلى مدن وقصبات العراق، الأمر ليس جديدا، فالدمج في القوات الأمنية العراقية شمل في العام 2007 حوالي 30 ألف مقاتل من قوات بدر وأحـزاب طائفية إيرانية أخرى، ومعظمهم في الأصل من الحرس الثوري الإيراني وفيلقه المعروف بالقدس. وزير الداخلية العراقي الحالي قاسم الأعرجي، واحد منهم، وهو مثال صارخ لما وصلت إليه الـدولة العراقية من فشل عبر عنه رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني بأن الحديث عن دولة موحدة في العراق أصبح من الماضي.
اعتراف نوري المالكي بالفشل، مهما كانت أغراضه، هو اعتراف بالهوة الخطيرة التي تدحرج إليها العراق وأدت إلى الإغماء. كان ينبغي الاعتراف من قبل القيادات مجتمعة، لإعلان فقدان الأهلية بإدارة البلاد، ودعوة العالم، من خلال منظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته القانونية والحقوقية والإنسانية، إلى مد يد العـون لتأسيس خط شروع لإعادة بناء الدولة المدنية الحديثة بعيدا عن دعوة حزب الدعوة إلى تجديد شباب العملية السياسية بالحشد الإيراني الطائفي.
لماذا الإصرار على بقاء الميليشيات وتمددها؟ لماذا الإصرار على بقاء داعش وتوالده؟ لماذا الإصرار على استفزاز مشاعر وحياة وكرامة المكونات؟ ولماذا الإصرار على بناء البيت الإيراني أو “الفيلا الإيرانية” لمشروعها على أرض العراق؟
كل الأسئلة تقودنا إلى لماذا الإصرار الإيراني على إجراء المناورات في داخل أراضيها وخارجها، برا وبحرا وجوا وفي الخليج العربي والمحيط الهندي، قرب باب المندب ومضيق هرمز وإطلاق الصواريخ الباليستية واستعراض السفن والغواصات والطائرات، في وقت تتصاعد فيه الاتهامات والعقوبات الأميركية لإيران مع وجود الأسطـول الخامس الأميركي في مياه المنطقة؟
إيران في ظاهر تصرفاتها، إما غبية وإما متعجرفة إلى درجة أنها لا تدرك حجم الخطر الذي يتهددها من القوة الأميركية العظمى في العالم؛ وهذا غير متوقع بحكم المعلومات التي باتت متوفرة حتى للأفراد ولا نقول الدول، حيث التجسّس على بعضها من صفات نشاطها الاستخباري، ذلك لم يعد معيبا أو غريبا في العلاقات. إذن إيران تخوض بأقل الاحتمالات مجازفة محسوبة، وهي تدري، كما الأميركان، بأن حدوث الخطأ وارد، إذا افترضنا عدم القصد أو سوء النية في أي مواجهة أو تهديد أو قرب أو احتكاك أو ربما تحرّش.
تكون الرسائل في مثل هذه المناورات، وهي استفزازية بكل معنى الكلمة في مثل هذه التوقيتات وأحيانا بلغات مختلفة وغير موجّهة إلى أميركا تحديدا كما يُراد استثمارها في الإعلام؛ في جانب منها، ظهيرا روسيا أكمل في نهاية العام الماضي تسليم منظومة الصواريخ “أس 300” مع رفض رسمي على أعلى المستويات لاعتبار إيران، أميركيا، الدولة الأولى الراعية للإرهاب.
الأهم في دائرة الصمت والترقب بين روسيا وأميركا هو التأخير الحاصل في تصنيف الحرس الثوري الإيراني ضمن قوائم الإرهاب العالمي، كما كان متوقعا من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته. التأخير وعبارة “طي النسيان” الواردة في إحدى وكالات الأنباء العالمية يبرهنان على مدى التفاعل مع جدية التصريحات الأميركية إلى حد اعتبار مدة شهر أو أقل مدة طويلة على قرارات كانت سابقا تستهلك أكثر من دورة انتخابية.
لماذا الإصرار على بقاء الميليشيات وتمددها؟ لماذا الإصرار على بقاء داعش وتوالده؟ لماذا الإصرار على استفزاز مشاعر وكرامة المكونات؟ ولماذا الإصرار على بناء البيت الإيراني لمشروعها على أرض العراق؟
لكن تظل للتأخير، ولو في حدوده الزمنية القصيرة، عوامل لإعادة تهدئة زوبعة القرارات وأصدائها وترتيب الأولويات، الأكثر تفسيرا، التَفكُر في ردود الفعل وترك المجال لعرض منتجات إرهاب إيران الاستفزازي، ونعني استفزاز إيران لأميركا وليس العكس.
بدأ قائد فيلق القدس قاسم سليماني زيارة إلى روسيا منذ أيام للقاء كبار المسؤولين. إدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب من مؤكد أنه كان على رأس الاهتمام المشترك، لأن قرارا بتداعياته المتوقعة تكون له آثار على القوات الإيرانية أيضا في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ونعني بها الميليشيات والفصائل التابعة للحرس الثوري كهيئة الحشد الشعبي في العراق التي تمضي في حرق مراحلها لتسلم سلطة الدولة بأغلبية القوة والسلاح الطائفي وبحماية القانون، وزيارة سليماني تهدف كذلك إلى بحث ما يتعلق بتكييف الهيمنة الروسية على إيران أو سوريا، وما يمكن أن تهمس فيه روسيا في الأذن اليسرى لإسـرائيل التي تتلقى بأذنها اليمنى تهـديدات خامنئي وتقاذف الغدة السرطانية بينهما وبشعـارها المعـاصر “البقـاء والتمدد”.
إيران بنظام ولاية الفقيه تستشعر حماسة دونالد ترامب لمحاربة الإرهاب الإيراني الشامل، وهي جادة، أي إيران، في تعجيل الصِدام الذي تتوقعه أن يكون بضربة محدودة؛ لأجل استثمارها في ثوابت مشـروعها في المنطقة، وكسب الأصـوات إليها كدولة ممانعة ومقاومة وبشعار القدس الذي كان دوما بوابة ارتزاق من مشاعر المسلمين والعرب، وكما نعتقد فإن أي مواجهة قريبة وعاجلة ربما تفتح مغاليق الملفات المبعثرة في صندوق مخلفات الإرهاب لتثبيت مواقع بديلة لقوى عظمى لا تتعامل بالاستفزاز إنما بالاحتواء، وأيضا مع البقاء والتمدد.
كاتب عراقي
حامد الكيلاني