عرب اليوم من غير قضية توحدهم / فاروق يوسف
لم يكن الواقع المأساوي والعبثي، في الوقت نفسه، الذي يعيشه العرب اليوم مفاجئا لهم. لم يقع كاملا وبالصدفة ومن غير مقدمات. لقد حدث كل شيء بالتدريج. خطأ فتح الباب على خطأ تلاه.
لا بأس أن يكون هناك عرب. هل يكفي ذلك لإثبات وجودهم؟ يوما ما كان العرب يثقون بقوتهم. ما عادوا اليوم يثقفون بشيء ما. وجودهم نفسه صار عرضة للشك.
أما أن هناك مَن يغلق عينيه عن رؤية تلك الحقيقة، فإن ذلك ما تفعله عادة الأمم المهزومة. فهي تفضل ألّا تصدق ما وقع لها، وما هي فيه. وتمني النفس بأن يكون كل شيء مجرد كابوس عابر. الحياة في العالم العربي هي كابوس من نوع مختلف.
ولأن ذلك الكابوس يقيم في اليقظة ويصنع من مادتها عناصر ديمومته، فإن أي محاولة لإنكاره عن طريق غض الطرف عنه لن تجدي نفعا.
لم يكن الواقع المأساوي والعبثي، في الوقت نفسه، الذي يعيشه العرب اليوم مفاجئا لهم. لم يقع كاملا وبالصدفة ومن غير مقدمات. لقد حدث كل شيء بالتدريج. خطأ فَتح الباب على خطأ تلاه. هكذا تراكمت الأخطاء، حتى غدت جبالا لا يمكن أن تُمحى.
أكان لزاما على العرب أن يتخلوا عن قضاياهم المصيرية التي تجمعهم، ليتفرغوا لخلافاتهم المفتعلة التي صنعوا منها واحدة من أكبر التسليات التي جعلتهم موقع فرجة؟
لم يخسر العرب شيئا حين ذهب الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس عام 1977. عزل مصر عربيا، وكان خطأً سياسيا فادحا، هو ما أفقدهم المركز الذي يضمن توازنهم. هل استعاد العرب مصر بعد ذلك؟ إذا كانت مصر لم تستعد نفسها، فكيف يمكن للعرب أن يستعيدوها؟
ما حدث لمصر حدث للعراق. لو كان للعرب حضور مشترك عبر قضاياهم لما جرى احتلال الكويت. كان من الممكن تفادي التصعيد الذي قاد إلى ذلك الفعل الأهوج. لقد ثأرت مصر يومها لنفسها من قمة بغداد التي عزلتها.
من اليسير التفكير بمزاج الرئيس العراقي الراحل صدام حسين انطلاقا من تقلباته. لو كان هناك شيء ما يجمع العرب، بعضهم بالبعض الآخر لتم التأثير على مزاج الرجل الذي لجأ يومها إلى مفردات تربيته البدوية. لم يواجه العرب التحدي بما يحفظ كلمتهم الموحدة.
وكما هو معروف فإن الانهيار العربي بدا جليا، لا يوم احتلت القوات العراقية الكويت، بل يوم تدمير العراق بدلا من أن تتم إعادته إلى وعيه. كما لو أن التخلص من العراق كان هدفا قفز العرب من خلاله على قضاياهم، وهو ما فعلوه في وقت سابق بمصر.
كل ما جرى بعد ذلك كان مجرد تداعيات لحرب أخرجت العراق من المعادلة العربية. وهي معادلة فقدت كل عناصر قوتها بحيث تحولت الجامعة العربية إلى مؤسسة عمياء تُقاد عن طريق الرشى. وهو ما أثبتته حادثة طرد سوريا وهي العضو المؤسس من تلك المؤسسة التي لم تعد جامعة.
اليوم يقف العرب على حطام مدن. ألا يمكن الحديث عن حطام قضايا؟
لم يعد للعرب رأي في أيهما أفضل، حل الدولتين أم حل الدولة الواحدة بعد أن فقدوا علاقتهم بالقضية الفلسطينية التي لم تعد قضيتهم المركزية. لقد فقد العرب مشروعهم المشترك في فلسطين. غير أن ذلك الفقدان لم يكن إلا نتيجة.
لقد راهنوا في أوقات سابقة، على تلك القضية المركزية، فكانت من جهة سُلّما لصعود الاستبداد على حساب الحريات، وكانت من جهة أخرى مناسبة للتودد إلى الولايات المتحدة وشراء رضا إسرائيل.
في الحالين فشل العرب في الوصول إلى شيء مقنع يعيد إليهم توازنهم الذي فقدوه. لأنهم فقدوا ثقتهم بأنفسهم، وصارت الثقة بالآخر رصيدهم الوحيد. عرب اليوم من غير قضية توحدهم. وتلك هي المشكلة التي تقف وراء عجزهم عن فهم أزمتهم المصيرية.
كاتب عراقي
فاروق يوسف