إيران.. الخطأ الأميركي الأكبر في العراق / حامد الكيلاني
التغيير الديموغرافي أصبح ظاهرة لطفح الإرهاب الإيراني في المنطقة والعراق؛ فالتغيير لم يعد حكرا على فئة تمتلك السلطة ضد فئة أخرى، إنما ينشط بكل الاتجاهات والمناطق المختلطة التي كانت متعايشة قوميا ودينيا وثقافيا لقرون من الزمن.
أيّ مراقب للشأن العراقي لا يستغرق مدة طويلة ليكتشف طبيعة النظام السياسي أو العقل المدبر أو المخطط لإدارة الدولة، ومنها معالجة الظروف الاستثنائية بالغة التعقيد، كمكافحة الإرهاب وتحرير المدن، وإرساء قواعد الثقة بين أبناء الوطن الواحد.
الإسراف في التصريحات والتطمينات الإعلامية العامة، تتبدد بأسابيع وأحياناً بأيام فقط، ثم لا شيء سوى الواقع يسرح ويمرح دون خجل من اتهام شخصية بمنصب مرموق مثل رئيس الوزراء وقائد عام للقوات المسلحة، بالأكاذيب أو التمويه بميليشيات دُمجت بفتوى مرجعية طائفية وبعدها بقانون برلماني طائفي أيضاً، لتكون من قطعات معركة الموصل بواجبات عزل وتطويق فقط.
أشهر قليلة مضت على المعركة شكلت فارقاً واسعاً في المهمات والغايات؛ عاد الحشد إلى انتهاكاته وخروجه المعلن على محددات واجباته في المعركة، وهي واجبات أساساً غير مطلوبة عسكرياً، إنما فرضت لأسباب سياسية وطائفية معلومة وبإملاءات إيرانية مباشرة من المرشد خامنئي، وبتنفيذ من قادة الحرس الثوري.
الساحل الأيسر من الموصل بعد تحريره يقدم لنا صورة ربما مبسطة لما يمكن أن يجري في الساحل الأيمن، فالتداخل في واجبات الإرهاب بين تنظيم داعش والحشد الشعبي يجعلهما في تنافس وسباق وتبادل أدوار لإلحاق الأذى والتنكيل بالمواطنين في أرواحهم وممتلكاتهم وبيوتهم وكراماتهم.
قادة الميليشيات يعلنون مشاركتهم في عمليات اقتحام الموصل بمركزها وقراها ومدنها المحيطة بها، وهي ضمن الاتفاقات والخطط لا تخضع لواجباتهم، لذلك أعلنت قوات البيشمركة الكردية التزامها بعدم دخول الموصل وفقاً للضوابط المسبقة.
تلعفر مدينة تحت النيران، وكل الموانع السياسية والنواهي الدولية والإقليمية لا تمنع الحشد الطائفي من إكمال مهماته وأهدافه الخاصة المرسومة، رغم المخاطر وتعقيدات الموقف السكاني فيها؛ بل في كل الموصل كما صرح بذلك نائب رئيس الحشد الطائفي.
الأخطر في مغزى المهمات القتالية وعواقبها المجربة سابقاً، ما جاء في تصريحات المتربص بمستقبل العراق، ونعني به نوري المالكي زعيم حزب الدعوة ورجل إيران الأول والناطق الرسمي بلسان المصائب القادمة، عندما حذر من ارتكاب عصابات داعش لجرائم وتصفيات وعمليات انتقام ضد المدنيين مع اقتراب هزيمتهم؛ وفي ذلك إشارات ما عادت غامضة باحتمال كبير لاستغلال الانهيار بالمزيد من التجاوزات لعناصر الحشد، دون أي أدلة أو ملاحقة أو متابعة لأن تنظيم داعش مبرر وحجة دامغة يتم بها تمرير كل الأجندات والعقد النفسية والمشاريع الجاهزة.
التغيير الديموغرافي ربما أصبح ظاهرة لطفح الإرهاب الإيراني في المنطقة والعراق نموذجاً؛ فالتغيير لم يعد حكراً على فئة تمتلك السلطة ضد فئة أخرى، إنما ينشط التغيير الديموغرافي بكل الاتجاهات والمناطق المختلطة التي كانت متعايشة قومياً ودينياً وثقافياً لقرون من الزمن؛ لكنها اليوم تشعر باستفزاز وعدم اطمئنان لبعضها البعض، وهو ناتج عن واقع المتغيرات ابتداء من نظام المحاصصة في الحكم ودستور المكونات، وصولاً إلى اضطهاد الأجهزة الأمنية الطائفية، إلى إرهاب الميليشيات، إلى سيطرة إرهاب داعش ومجازره ومسلسل الكراهية والعنف.
المطلوب، كما يبدو، عزل كل مجموعة متجانسة في حدود جغرافية خاصة بها، تجد فيها أحقية تاريخية وعددية توفر لها سنداً قانونياً ليسمح لها بإبعاد الآخرين إلى جهات مجهولة، رغم أنها معلومة بعناصرها المتشابهة في وصفها القومي أو الديني أو عناوينها الفرعية الأخرى؛ لكن ماذا عن حق الحياة والملكية واختيار المكان؟
على كل حال، الأحداث وردات الانتقام من المظلومين، وتحولهم إلى ظالمين مع أول فرصة للقوة أو السلطة أو الاستقواء، تسمح لنا بقراءة مآلات التدهور حتى بين صفوف الأقلية الواحدة، وبين أيدينا أمثلة لصراع غير خفي، ونزاعات بين أقليات دينية وعرقية تمهد لخلافات جوهرية في عودة مبالغ فيها بالخوف، ثم الانكفاء إلى تفاصيل جزئية تضيع معها اشتراطات التجمعات السكانية.
النظام الإيراني استغل انهيار العراق وتخلي إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن واجباتها، والتسليم بمقايضة النووي الإيراني وترحيله إلى سنوات مقبلة، في نشر الوباء الطائفي كارثياً في ثلاث دول هي العراق وسوريا واليمن ودول أخرى أيضا لكن في حدود إصابات متفاوتة، وصنعت إرهاباً خاصاً بها، وإرهاباً مضاداً يؤديان الغاية في تدمير الشعوب وإضعافها في محيط يعتقد النظام الإيراني أنه امتلك زمام السيطرة عليه لتحقيق أمنه وأهدافه، ولإيصال صادراته بالمساومة مع العالم، مرة بالتهديدات ومرة بالالتفاف عليه، أو برفع الشعارات وآخرها وأولها قضية فلسطين.
نستطيع تلمس الحقيقة في كلمة المرشد علي خامنئي في مؤتمر دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني، ومدى اللعب بالألفاظ والتحايل على الأمة العربية والإسلامية بورقة المقاومة والممانعة واستخدام المشاعر التلقائية للترويج إلى سياساته التوسعية، واستغلال التوقيت لصالح المزيد من إشعال الحرائق في الصراع مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن خارج إيران وحدودها في استثمار أمثل لتمددها الطائفي؛ وهل هناك ساحة أفضل من فلسطين لإثارة الخلافات بين الفلسطينيين أولاً، ثم الدفع والتحريض على مواجهات تؤدي كل قنواتها إلى تأخير رد الفعل الأميركي تجاه الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم؟ هكذا تظن إيران وملاليها.
خامنئي قال في تبريره لتراجع دعم نظامه للقضية الفلسطينية بتصاعد الأزمات التي تسبب بها الإرهاب في المنطقة، مما أدى إلى تراجع الدعم لتحرير القدس؛ وكما نلاحظ ذات اللغة والبرنامج والعزل والتطويق واللعب على حبال الأكاذيب القصيرة المفضوحة، وهو لا يبالي عندما ينصح كل الفصائل بالمحافظة على مسار المقاومة لأن ابتعادها هو ابتعاد عن خط إيران ونهجها المقاوم.
إيران أعلنت أنها تخطط لصنع 190 ألف جهاز متطور للطرد المركزي للقيام بعمليات تخصيب اليورانيوم خلال الأعوام الـ10 القادمة؛ مساعد وزير خارجيتها للشؤون القانونية والدولية، عباس عراقجي، أكد أن ذلك جزء من الاتفاق النووي ولأغراض التخصيب الصناعي، يذكر أن أعداداً أقل بكثير من الرقم المذكور تهيّئ لصناعة الرؤوس النووية والقنبلة النووية، تم نزع تلك الأجهزة بالاتفاق أو التقليل إلى الحدود المسموحة بها؛ وهي تصريحات لغرض صناعة إعلام مقابل متعدد الأهداف لاختبار مدى جدية الإدارة الأميركية في موقفها من إيران، وأيضاً التذكير ببنود الاتفاق النووي معها.
في ذات السياق يأتي تعيين هربرت ماكماستر مستشاراً للأمن القومي الأميركي وهو أحد القادة الذين جربوا الأخطاء الأميركية في العراق وبالذات ما يتعلق منها بالتدخل الإيراني، وله علاقة وثيقة بمدينة تلعفر بحكم واجباته العسكرية حينها. وزير الدفاع جيمس ماتيس كان في تجربة في العراق أيضاً وأثناء زيارته لبغداد قال عدت إليكم لكن بوظيفة جديدة. الآخر هو جون كيلي وزير الأمن الداخلي؛ أي أن ترامب أحاط نفسه بمحاربين قدامى خدموا في العراق، بمعنى أنهم جنرالات وسياساتهم تتسم بالخيارات العسكرية والصرامة؛ اثنان منهم كاتبان ومؤلفان وباحثان عسكريان، وتلك معابر نحو تطوير أساليب القتال وفن الحرب من السياسة إلى التخطيط، إلى أعلى النتائج بأقل التضحيات والخسائر.
الحرس الثوري الإيراني رد على تهديدات ترامب بتدريبات ومناورات عسكرية في صفوفه القتالية. قائد القوات البرية في الحرس الثوري محمد باكبور قال على العدو ألا يخطئ في تقديراته، فهو سيتلقى صفعة قوية إذا ما ارتكب هذا الخطأ؛ السؤال لماذا اختار باكبور الصفعة رغم محتواها المغلف بالإيحاء الديني؟ ملالي طهران يدافعون عن تمدد مشروعهم الذي منع إسرائيل من احتلال المنطقة، ومنها العراق والخليج “الفارسي”.
كاتب عراقي
حامد الكيلاني