ماذا تعني مشاركة قوات القبعات الخضر في معركة الموصل / حامد الكيلاني
النظام الإيراني وميليشياته الإرهابية سيقاتلان من أجل الإبقاء على الإرهاب الداعشي، أو أي إرهاب آخر لأنه سبيلهما لتأخير الحرب على الدولة المنفردة بالإرهاب العالمي.
أكدت مصادر عسكرية أن مد الجسور العائمة بين ضفتي نهر دجلة للعبور إلى الساحل الأيمن من الموصل مهمة خطرة. السؤال هل كان بإمكان قوات التحالف تجاوز تهديم الجسور أثناء معركة تحرير الأحياء في الجانب الأيسر، معظمها أو بعضها، فيما لو تم الإعداد والتخطيط للمعركة بما يكفي لإيقاف الهدر في دماء المقاتلين وفي البنى الأساسية للمدينة ومنها الجسور بوظيفتها العملية في صفحات المعركة اللاحقة.
جيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي في إجابته عن احتمال بقاء القوات الأميركية في العراق بعد معركة الموصل قال، وهو يبتسم، الحرب على الإرهاب طويلة وسنبقى في العراق لفترة، وأشاد بقدرات وأداء الجيش النظامي مستطرقا بكلمة عابرة عن تقديره لحجم التضحيات؛ وهي أعداد للقتلى تتحاشى القيادات العسكرية والسياسية ذكرها لأسباب تتعلق بمعنويات القطعات المشاركة.
حكومة حيدر العبادي، وقبلها حكومة نوري المالكي وجيشه الذي تسبب في كل هذه الفوضى والمأساة في الموصل والمدن الأخرى؛ تتعمد إخفاء الأعداد الحقيقية للخسائر البشرية في المعارك لامتصاص قوة الصدمة النفسية، وذلك بتجميع جثث القتلى في أماكن خاصة منها مجمع كبير قرب مطار بغداد الدولي، ثم إطلاق توزيعهم بنسب معينة وبحصص مدروسة لكل محافظة وبتوقيتات زمنية محسوبة.
العمليات العسكرية في الساحل الأيسر فشلت في بعض مفاصلها وتراجعت أمام هجمات تنظيم داعش، لأن الاعتماد على قوات مكافحة الإرهاب في إدامة زخم المواجهات، كبّدها أعدادا كبيرة من منتسبيها، اضطرت غرفة العمليات المشتركة حينها إلى إعادة رسم خططها وزج قوات أخرى مضافة. تلك الإخفاقات دروس يفترض الاستفادة منها في معركة الجانب الأيمن التي بدأت في يومها الأول بتحرير سريع لـ17 قرية بهجوم من 4 محاور تكفلت به قوات الشرطة الاتحادية بمشاركة 5 فرق وإسناد من طيران الجيش.
تقدم مشابه لنتائج الأيام الأولى لمعركة الموصل، في تمهيد لتحرير مركز المدينة. الإعلام العسكري، وتصريحات القادة قبل المعركة، تداولا سهولة تحرير الساحل الأيمن قياسا إلى معايير معارك تحرير الساحل الأيسر، لكن مع بدء اليوم التالي تغيرت التصريحات لتتعامل بموضوعية مهنية مع واقع المدينة القديمة وأزقتها، وهي عراقيل لا يمكن معها إقحام الآليات العسكرية كالدبابات والدروع، بما يعني أن المعركة ستتخذ الطابع الحركي البطيء وتتطلب قتال شوارع من بيت إلى بيت، مع موضات حرب العصابات التي اشتهر بها داعش من زرع للعبوات أو انتشار للقناصين؛ فهل ستطول المعركة إلى فصل الربيع في مدينة أم الربيعين؟
الجانب الأيسر من الموصل يمكن أن نطلق عليه الموصل الحديثة لأن معظم أحيائه بنيت تقريبا في الـ50 سنة الماضية، أما الجانب الأيمن الذي يشكل 40 بالمئة من المدينة فإنه يختصر حياة الموصليين وتاريخهم وعراقتهم ونسيجهم الاجتماعي، وتعايش الأديان والثقافات.
عدد السكان في الجانب الأيمن يتعدى 800 ألف إنسان تعرضوا، وما زالوا، إلى إرهاب داعش من الداخل، وإلى حصار من الخارج بكل مفاهيم الحرب، والناس يتضورون جوعا وعطشا ويأسا. المنظمات الأممية والإنسانية والحقوقية تتعاطى بمصطلح الحصار بعد أن حاولت حكومة حيدر العبادي تسويق واجبات الحشد الطائفي بالعزل والتطويق؛ وبعد الانتهاكات المتوالية والمتعددة الأغراض والأهداف والاتجاهات في الساحل الأيسر ومع نازحي الحويجة أيضا، تبدو الصورة أكثر وضوحا بحجم بشاعة غاياتها.
معلومات جهاز مكافحة الإرهاب توفر 6 ممرات آمنة لإنقاذ المدنيين، الذين هم بتعبير أدق أسرى بقبضة داعش، ويتعرضون لأسوأ الاحتمالات من الأطراف المتحاربة؛ القيادات الميدانية تقدم مسبقا طروحات لخسائر متوقعة بين المدنيين؛ وتعني في السياقات العسكرية أن الخسائر وضعت في الخطط العسكرية، أي إننا بصريح العبارة أمام توقعات بحمام دم من خلال نوع العمليات والصنوف المشاركة فيها وحجم المخاطر.
توفير الممرات ربما يساعدنا في اقتفاء آثار المدن المحاصرة سابقا ونتائج تذويب الجماعات الإرهابية وفقدان معالمها، في الإعلام أو على الأرض؛ بما يدفعنا إلى القناعة بوجود ممرات هروب آمنة ليس للمدنيين ولكن لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية بمختصرها داعش، ولو في اللحظات الأخيرة، أو حتى أثناء العملية النوعية المرتقبة في مركز الموصل؛ مقاتلو تنظيم الدولة لن ينتحروا جميعا بالأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة؛ فشعار تنظيمهم البقاء والتمدد، سيقاتلون نعم لكن المفاجآت في القتال وفي التكتيك والمتغيرات.
ممرات آمنة لهروب عناصر داعش ممكنة مع وجود من يمسك بالمحور الغربي بالموصل وهم من الحشد الطائفي تحديدا؛ ما تم تسريبه في فترة استراحة الشوطين أو ما بين تحرير الضفتين من وصول إمدادات من الرقة السورية إلى عناصر داعش في الموصل يتيح لنا التقدير بأنه ليس تواطؤا فقط لواقعيته وتبادل منافعه المادية، لكن لإتمام مهمات الثأر والانتقام والإذلال وعدم نسيان المطلوبين على قائمة العدل الإلهي لميليشيات الحرس الثوري الإيراني، وأغلب هؤلاء من ضباط الجيش العراقي الذين تزخر بهم الموصل ممن ساهموا في إذلال نظام ولاية الفقيه سنوات الحرب الإيرانية العراقية.
معركة الموصل في ساحلها الأيمن، حرب عالمية على الإرهاب، وحرب استخباراتية من الطراز الفريد، ضحاياها أولا الجواسيس، وهم في الأعراف الحربية مواطنون يضحون بأنفسهم لإيصال المعلومات إلى القطعات العسكرية النظامية، لكنهم في عرف الجماعات المسلحة العاملة معها خونة يستحقون الموت؛ هؤلاء فصيل المعلومات الدقيقة، وهم سلاح ذو حدين إذا تم التعامل مع معلوماتهم دون تحليلها ومطابقتها مع كشوفات الرصد الجوي وتعدد المصادر للمعلومة.
إشارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إلى أن وجود الأميركان في العراق لا علاقة له بالسيطرة على النفط، معناه أنه نفى الشطر الأول من الاهتمام الأميركي وأبقى الشطر الثاني وهو بيت القصيد، أي التأكيد على البقاء لمحاربة الإرهاب، والإرهاب عند أميركا بإدارة الرئيس دونالد ترامب يعني إيران وليس تنظيم داعش فقط، لأن إيران راعية الإرهاب ودولته الأولى في العالم.
لذا المعركة في الساحل الأيمن للموصل هي معركة التحالف في زمن إدارة ترامب، والفشل فيها له دلالات ورسائل سلبية متناثرة. عدم المشاركة في المعارك البرية لقوات التحالف يبرره ساسة العراق وحكامه وقادته العسكريون بامتلاك العراق قدرة إدامة زخم الموارد الوطنية، والمغزى لديهم السيادة على كامل تراب الوطن، أي بكفاية المقاتلين؛ لكن عبارة الموارد الوطنية تعني الاستخفاف بدماء أبناء العراق الذي استباحته حكمة حزب الدعوة وولاية المرشد الإيراني.
التقارير الميدانية لا تصرح بوجود قوات برية لقوات التحالف، لكن الأيام الأولى لمعركة تحرير مركز مدينة الموصل تبين لنا أن القوات الأميركية والبريطانية في نشاط وتفاعل مباشر مع قدمات حركة القطعات المهاجمة استعدادا لرسم خرائط الاستمكان وتعيين النقاط للقفز الليلي على الأهداف المتحققة كمعلومات راسخة للمعالجة، وهنا يأتي دور نخبة القوات الخاصة من قوات يطلق عليها اسم ذوي القبعات الخضر، ونعني بهم القوات الخاصة الأميركية “دلتا فورس” والقوات الخاصة البريطانية، وهي قوات محمولة جوا أي مجوقلة بتدريب وكفاءة قتالية نادرين، تمثل أذكى الجيوش في العالم ومدعمة بأرقى التقنيات وتخضع لنظام إدارة خاص وتتحرك بموجب اتفاقات دولية وعلى أهبة الاستعداد دائما.
تسمية القبعات الخضر ارتبطت بقوات المغاوير البريطانية في الحرب العالمية الثانية، وهناك من يرتديها من غير القوات البريطانية لأن لها تاريخا مشتركا في القتال؛ الغريب أن النظام الإيراني يمتلك وحدة قوات خاصة تدعى القبعات الخضر، وشاركت إلى جانب النظام السوري لكنها منيت بهزائم لا تتناسب وتسميتها.
النظام الإيراني وميليشياته الإرهابية سيقاتلان من أجل الإبقاء على الإرهاب الداعشي، أو أي إرهاب آخر لأنه سبيلهما لتأخير الحرب على الدولة المنفردة بالإرهاب العالمي؛ معركة الموصل هي معركة إنقاذ رهائن والبقية على المندسين.
كاتب عراقي
حامد الكيلاني