فرقاء العملية السياسية ‘يقتتلون’ بعيدا عن مشاغل العراقيين
جدّد التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر، الاثنين، اتهامه للمستفيدين من مفوضية الانتخابات بعرقلة إدراج قانون المفوضية على جدول أعمال مجلس النواب لمراجعته.
وقال النائب عن كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار عبدالعزيز الظالمي إنّ “عدم إدراج قانون المفوضية على جدول أعمال مجلس النواب تقف خلفه ضغوط سياسية تمارسها بعض الكتل المستفيدة من بقاء المفوضية الحالية”.
ولا تعدو قضية مفوضية الانتخابات التي أخرجت السبت الآلاف من أتباع الصدر إلى الشارع في مظاهرات انزلقت نحو العنف الذي خلّف ثمانية قتلى والعشرات من الجرحى، كونها مظهرا لصراع أشمل على السلطة بين أحزاب وقيادات شيعية أبرزها زعيم الصدريين مقتدى الصدر وزعيم حزب الدعوة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ولا يخلو الشارع العراقي من شريحة واسعة تنظر بعدم اكتراث إلى ما يجري من “اقتتال” على مفوضية الانتخابات باعتباره، صراعا على المكاسب والمناصب بين ذات الوجوه التي حكمت العراق منذ سنة 2003 في إطار عملية سياسية فاشلة قادت البلد إلى وضعه الراهن الكارثي على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
واعتبر نائب عراقي سابق أنّ الانتخابات هي آخر اهتمامات العراقيين في وضعهم الراهن وما يعانونه من مصاعب حياتية يومية وما يحدق بهم من أخطار.
وقال إنّ نزول الآلاف إلى الشارع للتظاهر ضد قانون الانتخاب ليس سوى مظهر للاعتراض على كلّ ما يمتّ بصلة للعملية السياسية ورموزها.
ويركز التيار الصدري ضغوطه على مفوضية الانتخابات، بوصفها بوابة لضمان حضور مؤثر في البرلمان خلال الدورة القادمة.
ويسعى الصدريون إلى الحد من نفوذ المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون على الجهة المكلّفة بالإشراف على تنظيم العمليات الانتخابية، عبر استبدال إدارتها الحالية بأخرى تحقق لهم تمثيلا أكبر.
ويعتمد المالكي على رئيس الدائرة الانتخابية في المفوضية، والمتحدث باسمها، مقداد الشريفي، الذي ينتمي إلى ائتلاف دولة القانون، ويتمتع بنفوذ كبير في مفوضية الانتخابات، لضمان حظوظه في أي انتخابات قادمة.
ويطالب الصدريون باستبدال مجلس المفوضين الحالي، واعتماد قانون جديد للانتخابات، يسمح بتعدد الدوائر الانتخابية داخل كل محافظة.
وخلال آخر عملية انتخابية شهدتها البلاد العام 2014، أثير جدل واسع بشأن حصول المالكي على أصوات محطات انتخابية محسوبة على العرب السنة والصدريين، ما ساعد زعيم ائتلاف دولة القانون على اكتساح جميع منافسيه.
ويرفع الصدريون شعار ضرورة وضع قانون انتخابات عادل، وتغيير أمناء المفوضية العليا للانتخابات. ومن أجل هذين المطلبين طلب زعيم التيار الصدري من جمهوره في بغداد التظاهر الأسبوع الماضي أمام بوابة المنطقة الخضراء من جهة منطقة الجادرية.
ولتحقيق ضغط أكبر، طلب الصدر من جمهوره في المحافظات كافة التظاهر في ساحة التحرير مطلع الأسبوع الجاري، وأثناء ساعات التظاهرة أرسل الصدر ببيان يأذن فيه للجمهور بعبور جسر الجمهورية والتظاهر أمام بوابة المنطقة الخضراء من جهة منطقة كرادة مريم، ما تسبب في صدام مع القوات الأمنية وأفضى إلى سقوط قتلى وجرحى.
مراقبون يتحدثون عن “طرف ثالث” يريد إشعال الصراع بين الصدريين والحكومة، لتخفيف الضغط على مفوضية الانتخابات
ورغم التصادم العلني بين جمهور الصدر والأجهزة الأمنية الحكومية، إلا أن دافع الصدريين الحقيقي هو وضع حد لهيمنة المالكي على مفوضية الانتخابات، بحسب سياسيين شيعة.
وعقب انتهاء تظاهرات السبت الماضي في بغداد، سقطت على المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، التي تضم مقار الحكومة العراقية، وسفارات عدد من الدول الكبرى، ستة صواريخ، ما وضع سرايا السلام التابعة للتيار الصدري في دائرة الاتهام. ولكن الصدر شخصيا وقيادة سرايا السلام أعلنا البراءة من هذا الهجوم، وطالبا الجمهور بضبط النفس.
ويتحدث مراقبون لصحيفة “العرب” عن “طرف ثالث” يريد إشعال الصراع بين الصدريين والحكومة، لتخفيف الضغط على مفوضية الانتخابات.
ويقول الباحث العراقي هشام داود، إن “هناك خلطا للأوراق من قبل خبراء قادرين على أداء هذا الدور.. وربما كان العبادي أحد المستهدفين من الصواريخ التحذيرية التي أصابت منطقته. والتيار الصدري قد يكون هو الآخر مستهدفا رغم ما حل بمتظاهري بغداد”.
ويضيف، “ما هو أكيد أنه بات متعذرا على المفوضية الحالية للانتخابات أداء دورها التنظيمي المطلوب. كل ذلك وسط تزايد الانقسام السياسي الحاد داخل جميع الكتل المذهبية والمناطقية والإثنية”.
وبعد يوم واحد من التظاهرات، عقدت لجنة برلمانية مكلفة باختيار أعضاء جدد لإدارة مفوضية الانتخابات اجتماعين متتابعين، فيما أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا أعلنت فيه انتهاءها من وضع مسودة لقانون انتخابات جديد، وأرسلته إلى مجلس النواب.
وينظر مراقبون في بغداد إلى هذه التطورات، بوصفها مؤشرات على إمكانية تسجيل الصدر انتصارا واضحا على المالكي، في معركة استبدال مفوضية الانتخابات، باستخدام الشارع.
ومن شأن فتح الباب لاستبدال إدارة مفوضية الانتخابات أن يدفع جميع الكتل إلى المطالبة بحصة عادلة من مقاعد مجلس المفوضين فيها، وهو ما يؤثر على نفوذ المالكي فيها، وفقا لمراقبين.
وحسب مصادر في المفوضية، فإن رئيس الوزراء حيدر العبادي، لا يملك أي نصير داخل مجلس المفوضين الحالي، وربما يسمح له استبدال هذا المجلس بدفع شخصيات موالية له إلى المجلس الجديد.
وكان المالكي، إبان شغله منصب رئيس الوزراء لدورتين متتاليتين، استخدم نفوذه الواسع لكسب ولاء أعضاء في مجلس المفوضين، وهو ما يتوقع مراقبون أن يلجأ إليه العبادي مع أي تغيير في إدارة المفوضية.
ومن جهتهم، يطالب ممثلو الأحزاب الصغيرة، بإشراف أممي على أي عملية انتخابية قد يشهدها العراق، فيما يسعى نواب التيار المدني، على غرار النائب فائق الشيخ علي، إلى دفع البرلمان نحو إدراج بند ينصّ على ضرورة الإشراف القضائي على الانتخابات القادمة، وهو ما ترفضه الأحزاب الكبيرة الممثلة في مجلس مفوضي مفوضية الانتخابات.
ويقول الخبير القانوني، جمال الأسدي، إن مفوضية الانتخابات تحتاج إلى قانون جديد يضمن استقلاليتها عن مكتب رئيس الوزراء، ويعيد هيكلة إدارتها ويقلص ترهلها.
ويضيف أن المفوضين يجب أن يكونوا مرشحين من كتل، لا منتمين لها، على أن يضمن القانون الجديد تحويل مهمة هؤلاء المفوضين إلى “إشرافية، وليس إجرائية”، لتحييد النفوذ الحزبي.