يا أتباع «سماحة القائد»… إرحموا الشعب العراقي / هيفاء زنكنة
اعتدت السلطات الأمنية العراقية على المظاهرة التي دعا إليها مقتدى الصدر ونظمها التيار الصدري، قرب المنطقة الخضراء ببغداد، منذ أيام، وشارك فيها عدد من منظمات المجتمع المدني، للمطالبة بتغيير مفوضية الانتخابات، باعتبارها أساس المشاكل السياسية والفساد في البلد. استجاب النظام برش المتظاهرين بالغاز والرصاص الحي، مما أدى إلى قتل أربعة ( يقال سبعة) وجرح 340 من المتظاهرين والقوات الأمنية معا. مما يدفعنا، إزاء قيمة الحياة التي أُهدرت، إلى تقييم هذه التظاهرة، من دعا إليها، والتساؤل عما حققته، وما هي الخطوة التالية؟ وهل من برنامج مبني على ما حققته أو لم يحققه مسار التظاهرات السابقة برئاسة التيار الصدري؟
بداية، يجب التأكيد على أن كل التظاهرات الشعبية، حتى لو كان عدد المشاركين فيها لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، تستحق الدعم والمساندة، خاصة إذا كانت تهدف إلى تحقيق طلب محدد، وفق رؤية واضحة وآلية تتسم بالمثابرة والانتظام في تناوب التظاهر الزمني، مهما كانت مدته والى حين تحقيق المطلب، ووجوب أن يضع منظموها بين الأولويات المحافظة، على حياة المتظاهرين، خاصة في ظل نظام لا يرى المواطن غير عبء يجب التخلص منه. هنا تُصبح حياة المتظاهرين، وليس رميهم في أتون قوات عُرف عنها استرخاصها الحياة، مسؤولية منظمي التظاهرات كما النظام ولنا في أعداد ضحايا التظاهرات السابقة والمختطفين، عبرة.
من هذا المنظور، يبين رصد التظاهرات التي يدعو إليها مقتدى الصدر، مع مجموعة تطلق على نفسها اسم « التيار المدني»، بقيادة أعضاء متقدمين في الحزب الشيوعي، إن الثمن الذي يدفعه المشاركون في هذه التظاهرات أغلى بكثير مما يطالبون به، بل وأدت إخفاقاتها ( هل تتذكرون المطالبة بإقالة كبير القضاة مدحت المحمود، وما حدث قبلها من مطالبات؟) إلى إثارة الإحباط، مما يستدعي، عند أي شخص يهتم بالشأن العام، دراسة وتقييم الأمر، وإيجاد سبل تحمل ولو نسبة ضئيلة من النجاح على مستوى التغيير الحقيقي.
السؤال المهم هنا: ما جدوى تغيير أشخاص فاسدين بآخرين يحملون ذات الجينات؟ وما مدى صلاحية مقتدى الصدر للقيادة وأن يستظل بظله «التيار المدني»؟ أليست هذه خدعة جديدة لتحويل الأنظار عن منظومة الطائفية والفساد ووجوب تغييرها ونزع أقنعة قادتها وليس العمل على كشف البعض وستر البعض الآخر ؟
إن معنى الإصلاح الحقيقي هو التغيير نحو الأفضل، ويتطلب العمل على التغيير السلمي، التوازن السياسي والشخصي والحكمة في التعامل مع نظام يسترخص الحياة. وهذا، بالتأكيد، وبما لا يقبل الشك، بعيد كل البعد عن شخصية « سماحة القائد، حجة الإسلام والمسلمين، مقتدى الصدر اعزه الله وحفظه»، فهو بسلوكه غير المتوازن، والتيار المدني يعرف ذلك جيدا، يشكل جزءا مهما من ديمومة النظام الطائفي، حيث تؤدي أفعاله إلى تحويل الأنظار عن عموم ما يجري في البلد وتركيزها على ما يدعو إليه على غرار منح هذه الحكومة إنذار شهر أو تلك الحكومة، الآيلة للسقوط، إنذار ستة أشهر، بينما يطالب رئيسها بمهلة شهر، أو نصب خيمة عند مدخل المنطقة الخضراء، يضطجع فيها لليلة، ثم يغادرها بعد التقاط الصور.
ما حدث هذه المرة لا يختلف كثيرا عن التظاهرات السابقات. الكل يعلم ان تغيير مفوضية الانتخابات، ان تحقق، سيتم بذات المحاصصة الطائفية تحت مظلة ذات الفساد. ولو كان « سماحة القائد» مبدئيا في مطالبه لما شكك احد بقدراته السياسية والعقلية ولكن تاريخه الشخصي، على مدى سنوات الاحتلال، وقبلها لمن يريد العودة إلى صباه، يجعل من مأساة الشعب العراقي في قادته ملهاة مبكية، وفي «التيار المدني» الذي يستظل بظله، ملهاة مبكية تستحق مجالس عزاء على مدى سنوات مقبلة.
فكم من مرة تورط فيها السُذج من أبناء شعبنا في تظاهرات يظنونها ستغير من مأساوية حياتهم، مؤمنين بقيادات توصلهم إلى بر الأمان؟ وكم من مرة خذلتهم القيادات وأتباعها ممن يَرون في وجود» القائد»، مهما كانت شخصيته وحماقاته وجرائمه، ضرورة؟ وكم من مرة ساهم المثقفون في تكريس صورة القائد وتبرير أفعاله؟
هناك الكثير من التساؤلات حول شخصية « سماحة القائد». تُرى ما هو سبب اندفاع مقتدى الصدر وحماسه للعمل السياسي فترة وانكفائه فترة أخرى؟ ما هي أسباب شنه حملة إصلاحية يدعو فيها إلى التظاهر ثم يغادر البلد بحجة الاعتكاف لكتابة الشعر أو الدراسة أو لاعتزال السياسة؟ ما الذي يجعله يصدر بيانا، يوميا، لأسبوع ثم ينقطع لأشهر؟ وكيف يُفسر استهزاؤه بأتباعه وتهديداته لهم؟
بعيدا عن المسوغات السياسية لسلوك القادة، التي غالبا ما نلجأ اليها كمشجب لتعليق كل ما هو غير مفهوم وشاذ في سلوكهم، هل تنطبق تقلبات سلوك الصدر على أعراض مرض « اضطراب العاطفة الثنائي القطب»، المتميز حسب الجمعية الملكية البريطانية لعلماء النفس، بتقلبات المزاج إلى درجة أكثر بكثير مما يحصل عند أغلب الأشخاص العاديين في حياتهم. حيث يعاني الشخص من صعود الكآبة حينا والشعور بالحماس إلى حد الهوس حينا آخر؟
لا أظن إن فهم نفسية « القائد» ستُعيد لأهالي الضحايا أبناءهم، إلا أنها محاولة بسيطة، لإلقاء الضوء على جانب إنساني، قد يساعدنا على فهم طبيعة ما يجري حولنا، في أجواء يُغلفها التضليل ويدفع الناس حياتهم ثمنا له. لعلها، أيضا، محاولة لفهم « قائد» يعكف البعض على تبرير هوسه، دون تمحيص انعكاساته، والمطالبة بمحاسبته أو، على الأقل، إخضاعه للعلاج، كي يتمكن من التمييز بين المظاهرة السلمية والحث على إراقة الدماء والكفاح المسلح. حيث خاطب أهل من قُتلوا في المظاهرة، قائلا: «لتعلموا انه ما أنتصر الثوار عبر التاريخ إلا بالسلم سواء غاندي، غيفارا أو ثورة أبينا الصدر، وما انتصر المظلوم إلا حين اُريقت دماؤه فانتصر الشهيد على قاتله فإنه لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدمُ «.
٭ كاتبة من العراق