السبت الدامي / علي حسين
فضّ التظاهرات بإطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع ومطاردة المتظاهرين في الشوارع أُسلوب يفتقر إلى أدنى أساس أخلاقى أو سياسي، فالتظاهر والاحتجاج حقّ تكفله القوانين ومواثيق حقوق الإنسان، ومن ثم يجب عدم النظر إلى المتظاهرين على أنهم أعداء للدولة والمجتمع، بل مواطنون لديهم مطالب ويملؤهم غضب واحتجاج على إجراءات بعينها، فيعبّرون عنها بالتظاهر والاحتجاح .
غير أنّ الأبشع من خيار فض التظاهر بالرصاص الحي ، أن تصدر رئاسة الجمهورية بياناً تدين فيه سقوط ضحايا وجرح العشرات وتتهم جهات مجهولة بقتل المتظاهرين العزّل ، والأقسى أن يصمت البرلمان ، وتضع جبهة الإصلاح النيابية رأسها في الرمال ، ياسادة ما جرى كارثة تسقط بها حكومات ، فحين تسمح الدولة للقوات الامنية ان تتصرف خارج القانون ، وتصرّ على أن تمارس الحسم والقسوة ضد متظاهرين عزّل ، لكنها تصمت حين يتعلّق الأمر بالمافيات المسلّحة وعصابات الجريمة المنظّمة .
كان العراقيون يأملون أن يتولى المسؤولية ساسة يعبرون بالبلاد من عصور القمع والفساد، إلى عصر الحريّات والرفاهية، وحكومة تعبر بهم من عصر الفساد والقمع إلى عصر الحريات، فوجدوا أمامهم مسؤولين يخافون أصوات المحتجّين والمتظاهرين، فيقرروا استباحة دمائهم في وضح النهار.
اليوم مهم جداً أن نرسّخ مفهوم ، أن دور القوات الأمنية هو حماية التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات مادامت سلمية وفي حدود القانون، مهمة القوات الأمنية أن تحمي هؤلاء المتظاهرين حتى لو كانوا يهتفون ضد رئيس الوزراء وأركان حكمه.
علينا أن نغرس في أذهان جنود وضباط القوات الامنية أنّ الذي يتظاهر بصورة سلمية ليس عدّواً، ولا يمارس التجسس ضد البلاد، بل مواطن له رأي ينبغي احترامه وحمايته.
لكي نحقق شعار الجيش والشرطة في خدمة الشعب، وليس لمكافحة الشعب علينا أن نؤمن بأن مهمة القوات الأمنية هي مطاردة الإرهابيين، والسعي إلى حماية أمن الناس، وليس مطاردة المتظاهرين ومحاصرة وسائل الإعلام. وأن واجبها الحقيقي هو حماية الناس، لا الدفاع عن المسؤولين.
لن نجادل حول السيناريو الذي أدى إلى كارثة السبت الدامي، وهل هي عملية منظمة، أم تصرّف يتحمله البعض من أفراد القوات الامنية ، هذا الأمر لم يعد مهماً الآن.. لأن النتيجة واحدة، هي أن البلاد يمكن أن تنجرف إلى حرب أهلية، لأسباب قد تبدو تافهة جدا، مثل إصرار الحكومة على قتل كل من يقترب من أسوار القلعة الخضراء .
الوطن في خطر، وليغضب كلّ الساسة الذين يزوّقون خطبهم بعبارات الاطمئنان، فأغلب الناس غاضبة، برغم أن الغضب قليل أمام ما يحدث، الناس تريد مسؤولين يلتفتون إلى ما يحدث داخل البلاد، ليتأكدوا من أنّ المشاكل اتسعت ولا يمكن رتقها بقوات لا ترى في المحتجّين إلّا كفرة يجب استئصالهم.. قوات لا تريد أن تؤمن بأنّ جميع العراقيين مواطنون من الدرجة الأولى يتمتعون بكامل الحقوق.
أيها السادة نحتاج إلى قوّات أمنيّة.. لا قوات تتفنن في قتل المواطن الأعزل.